♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتَدري لو كنت تُشيّد بناءً ضخمًا، تعبتَ في إعداده، وقبيل انتهاءك، اكتشفتْ وجود فتحة صغيرة، أنت بحاجة لشيء يسد تلك الفتحة؛ حتى يُصبح بناءك، مؤهل للسكن، البناء بناءك، بإمكان تركه فارغًا، لكنه بالكاد، لن يصمد طويلًا، أنتَ تعرف بأنه لن يتحمل جفاف السنين، لذا فإنك ستبحث عن قطعة، لكن أيّ قطعة تلك التي تلاءم نوعية تلك الفجوة؟ هل ستختار لبناءك الرديء؟ أم أجود الأنواع، وأفضلها؟ كما قلتْ، البناء بناءك، ولا مستفيد سواك!
حسنًا، قد تختار قطعة جيدة إلى حدٍ ما، لمّا قررت وضعها، أنت تعلم أنه كان بإمكانك إحضار الأفضل منها، لكنك تساهلتْ وتكاسلتْ، وسرتَ على قاعدة: ” الجود من الموجود”! لن تكتشف سوءة فعلتكْ، إلا لما يُريك الله أبنية من حولك، ممن اختاروا لسدّ تلك الفجوة، قطع، ليست بنادرة، لكن تطلّب الحصول عليها، ثمنًا غاليًا!
إبراهيم عليه السلام، لمّا كدّ في بناء البيت العتيق، هو وابنه إسماعيل، عليهما السلام، لم يُهمل ذلك المكان الفارغ، كان يحتاج لحجارة واحدة فقط، حتى يقول بأن مهمته انتهت، ما الذي حدث؟ نفدت الحجارة من حولهما! ولما لم يجد إسماعيل عليه السلام قطعة واحدة فقط، أنزل الله إليهما (الحجر الأسود) والذي هو من الجنة، آخر حجر في بناءك، هو الأهم على الإطلاق، هو من سيحدد لك، بعد الله، مدى صمود بناءك من أهليته للسقوط! آخر الأمور دائمًا أهمّ من أولّها أو أوسطها، قد تبدأ بداية ركيكة، وتسير بناء على بدايتك، في ضلالة، لكن المهم عاقبة الأمر ونهايته، لذلك يقول تعالى (وللآخرةُ خيرٌ لك من الأولى) الله يخبرني ويُخبرك بأنّ نهاية الأمور، دائمًا خير لنا من بدايتها. وعلى النقيض، قد يبدأ الإنسان بداية سليمة، ثم يضلّ الطريق! يارب ادخلنا مدخل صدق واخرجنا مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.
لم يكنْ عبثًا، أن جعل الله الحجّ، الركن الخامس، الركن الأخير من أركان قلبك، الركن الذي استهان الكثير في كونه الأخير! اعتدنا على الانشغال في البداية، بداية الأمور، وفي النهاية، تفتر العزائم، وتتراخى الهِمم، لذلك قيل: ” من بدأ بالمكارم، فليتمّها“، تمام أركان قلبك، حتى الخامس منها والأخير، هو تمام لإيمان قلبك ولتقواه.
الحجّ لقلبك، بمثابة الحجر الأسود، للكعبة! يثبّتك، يقويّك، يشدّ من أزر فؤادك، لن تشعر بأنك بحاجة إليه، إلا لما يُكرمك الله به، لما يُكرمك وتُكمل آخر فرائضك، الحجّ يهبك شعور بأنّ قطعة من الجنة، قد وهبها الله، لقلبك، قطعة بيضاء، كما كان الحجر الأسود، أول ما أنزله جبريل عليه السلام، احرص على نقاء حجتّك في قلبك بيضاء، نقيّة! لا تلوّثها بعودتك لخطاياك! الآن في قلبك، قطعة ثمينة، ثمينة جدًا، غيركَ حصل عليها، ومع مرور السنين، ذهب بريقها، وباتت سوداء، انطفأ وهجها، فلم تعد تؤدي دورها ولا وظيفتها! حتى هؤلاء، يمنحهم الله معاودة قصدهم لبيت؛ حتى تستردّ تلك القطعة، بياضها.
قبل الحجّ، يشغلك الشوق، أثناء الحجّ، تشغلك أمورًا تعيشها، يشغلك الزحام، والحرّ الشديد، يشغلك ألا تتجاوز اللاءات الثلاث! لا رفث ولا فسوق ولا جدال! وبعد الحجّ يشغلك القبول وبقاء الأثر!
ماذا بعد الحجّ؟ هذا السؤال الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال! حتى لو لم تكن تملك خطّة واضحة للتغيير، انوِ التغيير أولًا، ثم خذ أول خطوة، حتى لو لم تكن تملك البديل المناسب!
يقول د. أحمد خيري العُمري في كتابه، طوفان محمد، معلقًا على حادثة رؤيا إبراهيم عليه السلام:
من بين كلّ الابتلاءات والاختبارات التي مرّ بها الرسل والأنبياء، فإن القرآن الكريم، لم يصف أي منها، بكونها (البلاء المبين)!
الله لا يريد منك أن تذبح ابنك، كما لا يطلب منك أن تذبح أحدًا، الفكرة أن تكون مستعدًا للتضحية بكلّ شيء، أن تكون مستعدًا للتنازل عن كلّ ما بَنيته، وتعلقت به، حتى لو لم يكن فيه مخالفة لشرع الله! لكن أن تكون مستعدًا للتضحية به، رغم ذلك، من أجل أن تنتصر قضيتك.
في الحجّ تأتيك تلك اللحظة، تأتيك حياتك كلها، إنجازاتك، حسناتك وسيئاتك، البلاء المبين هو كلّ غالٍ عليك، عليك أن تضعه على المذبح، والسكين بيدك، عليك أن تكون مستعدًا لأن تفعل ذلك.
عليك أن تكون مستعدًا لتقبّل حقيقة أن: الجوهر في إسلامك، في أن تكون مسلمًا، هو تلك اللحظة، التي ترضخ فيها لهذا، عندما تكون مستعدًا للتضحية بكلّ شيء.
كُن مستعدًا، بعد أن يمنحك الله القطعة البيضاء في قلبك، أن تُضحّي بكل ثمين، قد يكون ثمن الحفاظ على لمعان تلك القطعة، أن تضحي بروتينك اليومي، أو بأن تستبدل رفقتك!
في الحجّ، كلّ شيء مُلهم، كلّ شيء، يحدث أمامك، ثق بأن حدوثه، لم يكنْ مُصادفة! لا شيء يحدث اسمه صُدفة! الله قدّر كلّ شيء بدقة، قدّر أن ترى تلك الحادثة، بينما أنت سائر في الطريق، ربمّا! لما توقن بأن الله يُوقع الأحداث، لك لا لغيرك، رغم أنك خارج عن الحادث أو الموقف، لكن قدرك أن تكون مُشاهِدًا، حينها، ترى الأشياء كلها بمنظار مختلف، وحينها، يلتمس قلبك أوّل أطراف، التقوى!
المهم أن تجعل كلّ ما تشعر به، من سوء، ومن خير، يُقربك من الله، زُلفى، هذا ما يريده الله لما قدّر لك رؤية تلك المواقف! قد نظن أحيانًا أن الله أرانا ذلك الموقف، حتى نحكيه لغيرنا! وينتهي دورنا! الله يريد أن يزيد إيمانك في كل موقف يمرّ به، ولن يحدث هذا إن لم تكن تعتقد أن كل أمور الدنيا، كبيرها وصغيرها، توصلنا للإيمان، توصلنا لله!
بالمناسبة، لم أخطط مسبقًا، أن تكون نهاية سلسلة الكتابة عن الحجّ، أن تكون التدوينة الخامسة! اختم بقول د. العمري:
لا يمكنك اكتشاف الإنسان الجديد الذي أصبحت عليه، وأنت في الحرم! لابد من أن تلتحق بالعالم؛ لكي تجرب الإنسان الجديد الذي يفترض أن يكون قد ولد بين جنبيك.
الحج يُقيم عليك الحُجّة: هذا العالم يجب أن تُنقذه، لو أردتَ النجاة!
من لا يشكر الناس، لا يشكر الله، شكرًا، لكل من سخّرها الله لتزيد في إيمان الفؤاد، قبل الحجّ، وأخصّ بالذكر: لينة، بيان، د.نجود، إلهام، تسنيم، مريم، الشيماء، نُهى، عفّت، يارب جازهم بالإحسانِ إحسانًا، وبالسيئاتِ عفوًا وغُفرانًا.
فائدة: الحبيبة عفّت، لم تحجّ بعد، لكن مُسانداتها، لم تكن كذلك! فِعلها علمني بأنه بإمكانك المساعدة حتى لو لم تكن تجرّب شيئًا ما.
ربّنا تقبّل منّا، إنّك أنتَ السميع العليم، ولكَ الحمدُ الذي بنعمته الصالحات
2 تعليقات
مواقف رائعه و مواقف مؤلمه و مواقف مضحكه و مواقف منيره للبصيره و مواقف مربّيه
سبحــ الله ــــان المدبّــــر
الحمدلله الذي اعانك على اداء الركن الخامس
و اسال الله الكريم ان يمنّ على من تحب
و يعيننا على طاعته و ذكره و شكره و حسن عبادته
و أن يفتح لنا بقدرته ،،،،
الحمدلله على السلامه يا عسل
الله يتقبل🌷
حبيبة القلب ايناس .. قرأت تدوينات عن الحج لأكثر من مرة
عباراتي لامست قلبي بشدة وادمعت عيناي ..
قصة الفؤاد الطويلة جمييييلة بكل ماتعنيه الكلمة .. المشاعر التي تحدثني عنها ووصفتها هي ما شعرت بها حقيقة
في العام المنصرم .. كنت أشعر بشوق عظيم للحج على الرغم من اني لم يسبق لي الحج .. ولكن الله عز وجل لم يكتبني من حجاج البيت .. الحمدلله الحكيم الرحيم المدبر.
عجبتني نظرتك الايجابية للمواقف الصعبة والمؤلمة ونظرتك لها بانها تربية من الله..
أسأل الله لك القبول والإخلاص لك يا رفيقة .. وأسألك سبحانه أن يكتبني من حجاج البيت العام المقبل ..
أسأل الله أن يبارك فيك وفي علمك وقتك وجهدك.. دمت بود