علّمونا أنَّ النقطة العمياء في السيارة، تحتاج لالتفاتة كتف حتى تتمكّن من رؤية ما عجزت عن إظهاره المرايا الجانبية!
من الناس مَن استعان بتركيب قطعة إضافية تجعله قادر على رؤية تلكم المنطقة، ومنهم من استعان بإضافة صوت الحسّاس الذي ينبأ عن قدوم خطر قريب، بيد أن رؤية تلك المنطقة بلا هذه الأمور أمر مستحيل!
غير قليل من الناس يظنون أنهم قادرون على إتمام مهارات القيادة دون هذه الالتفاتة، غافلين أنهم محاطون بلطف الله.
النفس كذلك.. فيها من القُدرات ما يتعذر على الأيام العادية- بوصفنا- عن تجليته، ولا يُبدي تلك المعاني والقدرات المحبوسة في المرء إلا وجود شيء خارج عن المألوف.. صراعات يعيشها، صدمات يمرّ بها، فشل متكرر، غدر ووشاية! مرض قريب، فقد عزيز..
قيل: “لا حاجة لأحدنا بالابتداء من الصفر دائمًا، يمكن أن يكون ما نبحث عنه، قد وصل إليه شخص آخر بعد عناء” ولعل هذا يعدّ خبر سعيد! على الأقل بالنسبة لي.
مما ساعدني على فَهم مشاعري المضطربة بعد فقد والدتي- غفر الله لها- مُطالعتي لتجارب أناس سبقوني بالفقد! تخيّل أنك تجد في اضطرابك عافية؟ لأنك تسير في المسار الطبيعي في الشوط الأول من رحلة الفقد، بينما من اكتفى بنفسه وخاض تجربته بمفرده، حتمًا سيحتاج لوقتٍ أطول للتعافي.
لكن ما الذي يُساعد المرء على فهم واقعه؟ ما المُعين على تفسير الوقائع والأحداث؟ سنن الله في الكون والبشر
والسنن الإلهية هي القوانين التي تجري في العباد باطّراد وثبات وعموم في حياة البشر
– أبو مريم الجريتلي| شبكة الألوكة
قال تعالى: ﴿یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُبَیِّنَ لَكُمۡ وَیَهۡدِیَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَیَتُوبَ عَلَیۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیم﴾ [النساء ٢٦]
والشيء بالشيء يُذكَر، فبعد مرور أربعة أشهر على وفاة والدتي، أُصيب والدي- عافاه الله وشافاه- بجلطة أفقدته القدرة على الحركة، البلع، كيف لإنسان أن تتغير حياته بالكُليّة في لحظة؟ إنه لأمر عُجاب! تنقشع النقطة العمياء في قراءة أقدار الله حينما يستوعب المرء سنن الله، واستحضاره ما يُطيب خاطره ويُسكّن نفسه ويهدأ قلبه: ﴿... فَأَثَـٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّ لِّكَیۡلَا تَحۡزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَاۤ أَصَـٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [آل عمران ١٥٣]
فإن أصابك أمر عكس ما ترجو، في نفسك أو في أهلك أو في عملك أو في محيطك، فكن على يقين بأنّ مناطق جديدة فيك ستظهر، لم تدرِ أنها فيك كامنة لولا ما أصابك! خُذ من غيرك عظة وعبرة، ولا تعامل مُصيبتك وكأنك الأوّل في هذا الكون وتعِش في معزلٍ من البشر والحياة، فليس هذا المُراد، وإنما المطلوب تجتاز الحياة بقلبٍ مؤمن راض، فذاك المبتغى وهو ما أكرره لصغاري وأحرص على تعليمهم إياه، أعلمهم أن للغضبان تبسّم! وللحزين فُرجة نور يعيش من خلالها، وللسعيد حدّ للتعبير بلا فجور، وكذا تسير أيام المرء باتزّان بحسب حوله وقدرته.
وإن كنتَ في سلامةٍ من كل هذا، ومنّ الله عليك باستقرار وسكينة، فلا تنسَ أهلك والصّحاب ممن قدّر الله عليهم أحد البلايا، فلربّ مكروب كانت فسحته كلمة طيبة، أو دعوة تطيّب خاطره الموجوع، لا تدع إنسانيتك تموت لأنك في سلامة، وإنما تعنّى على بقائها غضّة حيّة، تُعرف بها بين الأنام، وإني لألفتُ نظر صغاري إذا ما سألوا عن صديقهم الذي تكرر غيابه، أو لو وقع الأمر عليّ أيضًا ولم يسألوني ما خطبك؟ فأقول لهم: “ماسألتوني ليش كنتي غايبة يامعلمة؟” فتصل لهم رسالة لطيفة بأن الاطمئنان على بعضنا وتفقد أحوالنا حقّ مشروع لكل من تجمعهم رابطة.
اللهم طيّب مرقد والدتي الحبيبة، واجعل القبر خير منازلها، واجمعني وإخوتي بها في جنات النعيم، ومنّ يا إلهي بعافية والدي الغالي، أبدل ضعفه قوة، ومرضه صحة، هوّن علينا وعلى المسلمين واكتبنا من الراضين، واختم لنا بالخير وسلامة الإيمان