هل سبق وأن رأيت عدّاء فاز في مسابقة الركض كان يتلفت يُمنة ويسرة؟ أم أنه يمضي قُدمًا حيث الوُجهة والغاية؟ أم هل شاهدت هاربًا من عدوّ ينظر للخلف؟ أم تراه يركض مسرعًا غير آبهًا بالمسافة التي قطعها، غير مُكترث فيما إن اقترب العدو أم بَعُد، فالشأن كل الشأن في جهده، في مواصلته السير.. (نجاتك في عدم التفاتك)، يعلم هذه القاعدة مَن يعلم متَى يلتفت، وكم المدة التي يقضيها وهو ملتفتًا، ومتى يشيح النظر ليعود ويصوّب أخطاؤه، يعدّل مساره، يبني فكرة.
ليس من العبث أن يجيء الأمر الإلهى للوط عليه السلام بعدم الالتفات، ليس هذا فحسب، بل عقِب هذا الأمر، بأن يمضي.. ليس لأيتِ وُجهة، بل للوجهة التي أُمِر بالسيرِ نحوها.. ففي الالتفات مضيعة ومفسدة، حنين وأنين ..
… وَلَایَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ وَٱمۡضُوا۟ حَیۡثُ تُؤۡمَرُونَ﴾ [الحجر-٦٥]
(ولا يلتفت منكم أحد) أي أنت ولا أحد منهم فيرى ما نزل بهم من العذاب فيشتغل بالنظر في ذلك ويتباطأ عن سرعة السير والبعد عن ديار الظالمين وقيل معنى لا يلتفت لا يتخلف (وأمضوا حيث تؤمرون) أي إلى الجهة التي أمركم الله سبحانه بالمضي إليها وهي جهة الشام وقيل مصر.
فتح البيان
اشتغالك بما خلّفته، أو بما صيّره الله من ماضيك لا يعنيك إن لم يجعلك تُحسّن ما هو بين يديك، وما عدا ذلك فهو مضيعة ومفسدة! أيًا كان ما خلّفته.. وما أكثر ما تركنا، من أشياء ومشاريع وأشخاص وأناس ورِفقة.. كانوا معنا.. ولم يعودوا بيننا.. مشاريع حلمنا بها، قد أُوصدت الأبواب لإكمالها، ما الجدوى من التحسّر عليها بكثرة استجلابها بين الحين والآخر؟ مُلاحقتك المستمرة لشيء قد انتهى أجله، مع علمك بأن سعيك قد انتهى زمنه، لكنك تبدع في تضييع عُمرك ما هو ليس برزقك، فعلامَ الإصرار؟ الزم ما فُتح لك، وما دونه .. فحسبك ياصديقي حَسبك!
(… أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡـَٔامِنِینَ﴾ [القصص٣١] أقبل بقلبك، بجوارحك، بخُططك وحماستك، أقبل بنيّتك الصادقة، أقبل بداية، وألقِ بالخوف عرض الحائط، فإنّك مُؤمِنٌ ومُؤمَّن بحوله وقوته.. تكفل الله بأن يؤمنك مما تخاف وتكره، لكل خائف، لكل متردد، لكل ملتفت للماضي، وواقف على أطلاله يندب حظه ربما، أو طال أمله وقصُر عمله، أقول له: أقبل ولا تخف..
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ” بادِروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضا مفسدًا، أو هرمًا مُفنِّدًا، أو موتا مجهزًا، أو الدَّجال، فشَرُّ غائبٍ منتظَر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمرُّ؟ “
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن
فانظر يا رعاكَ الله مما هُو بين يديك، مما مكّنك الله صُنعه وفعله، وبادر فيه، فخير البرّ عاجله، وامضِ حيث أمرك الله لمرضاته، للدار الآخرة، والحمدُ لله ربّ العالمين
1 تعليق
رائعة كروعة اخلاقك