الرئيسية إينَـاسِّيات مَخمومٌ صَدوقٌ

مَخمومٌ صَدوقٌ

بواسطة إيناس مليباري

أرأيتَ إن قضيت يومًا أو يومين في بيتٍ غابر ومُتّسخ، أكنتَ تنعم براحةِ البال؟ أو حتّى تحظى بنومةٍ هانئة؟ قطعًا لا يحدث هذا؛ لقذارة المكان الذي أنت فيه، وما يُجلي هذا الضِّيق إلا بخمِّ البيت وكنسه وتنظيفه، تهيئته للسُّكنى ولتحمُّل أعباء الحياة اليوميِّة، وحدّثني بعدها عن حُسن عهدك بالصّفاء والنَّقاء والجمال!

وكذا حال الإنسان مع قلبه، فليست البيوت وحدها من تحتاج لنظافةٍ وتطهير! عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد [رواه ابن ماجه: 4216، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3397].

على فصاحة العرب إلا إنَّ من البيانِ لسحرًا! ومهما ارتقى الإنسان في سُلَّم معرفته، يحدث أن تُعيده مفردة لبداية الطريق، وهذا ما حدث مع الصَّحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ما شدَّهم إلا “مخموم القلب” وفي معرفة المخموم يهنأ المرء بحياةٍ طيّبة.

معارك الحياة، ساحتها قلبك” هكذا تقول أ. أناهيد السميري – زادها الله من فضلِه – لأجلِ هذا كان الاعتناء بالقلب هو سبيل النَّجاة من مهالك الدُّنيا ومشَّاقها.


” كل مخموم القلب “
قال: النقي، رجل مخموم القلب إذا كان نقي القلب، ما فيه غل، ما فيه حسد، ما فيه حقد، كما ذكر [ابن عبد البر في الاستذكار: 7/45].
وفي “مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح”: خممت البيت إذا كنسته.
فالمعنى أن يكون قلبه مكنوسًا، يعني منظفًا، من كل ما سوى الله، وما لا يحبه، منظفًا من الأخلاط والأقذار، سليم القلب؛ كما قال الله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 89].

شرح الشيخ الدكتور محمد صالح المنجّد

لعلّ صفات المخموم مألوفة، وشاع سماع أن يكون القلب نقيًا، خاليًا من الغلّ والحسد، لا يعرف للحقدِ سبيلًا، لكن هل فقهنا هذا في واقع اليوم والليلة؟ كيف هي جلساتك مع زملاؤك في العمل؟ أهلك في المنزل؟ هذه الحوارات الصغيرة، كل شخص نُقابله، وكل موقف يحدث لنا أو نكون جزءًا منه، كل حُوار يُعقد، وكل نقاش يُفتح، نستطيع أن نكون فيها مخمومي القلب أو عكس ذلك!

مكمنُ قوّة الإنسان هي في رباطة جأش إيمانه، شعوره بالحميّة تجاه الأفكار أو المُعتقدات التي يطرحها أو يسمعها، الأشخاص الذين يُخالفونه الوُجهة والطريق، كيف هو شأنه معهم؟ هل تستطيع الانسحاب من الموقف ولو كنتَ محقًا خوفًا على قلبك؟ وهل تستطيع إحقاق الحق حتى لو كلّفك الأمر كثيرًا؟ كل هذه التفاصيل مدارها القلب، وكم أشهدني المولى مواقف لأُناس كُثر، يهبون أنفسهم لمن اختاروهم ليقضوا حوائجهم، أتساءل: ما الذي دفعه لخوض معركة كتلك كان بإمكانه رفضها من البداية؟ هل تملك معيارًا واضحًا للإحجام والإقدام؟ هل تعلم متى استنفدت كل ما تملك فتعود أدراجك ليبقى حبل الود؟ ومتى عليك المُضي لأنك لم تعطِ كل جهدك فيما اختارك الله له؟

يظل الإنسان في مدٍّ وجزرٍ ما دامت في الرُّوح أنفاس! في أوقاتِ الرخاء يسهل على الإنسان أن يصدّ ويردّ، أن يتمسّك بقضية آمن بها، و ينشر مُعتقد، وما أن تحلّ غمامة سوداء في قابل أيامه حتى تضمر المعاني، قد يكون سهلًا ليّنًا، وما أن صيّره مولاه وقلبَ حاله حتى اختلف على نفسه، فلا تجدهُ إلا على النَّاس مُتحدثًا، يزبد ويرعد، لا كلمة تُرضيه ولا إيمان يُنجيه! لا يخشى لومة لائم، انفرطت مبادئه فلا يدري بأيهما يجمع شتاته! وما أكثر ما رأينا هذا واضحًا خاصة بعد جائحة كورونا، قلوب أُصلحت وخُمَّت من دنائس الأمور، وآخر تخمَّرت بالقاذروات وعاثت في البيوت فسادًا، والله المُستعان.

ادعَم قلبك لتُمكّنه من الحق، لأن يكون مخمومًا بالحقّ، كما تنتقي أغلى الأثاث لبيتك، ادعمه بأن تُهذّبه فيكظم الغيظ، ويعفو، يُعين ولا يريد جزاءً ولا شكورًا، يُعطي لله، يُحب ويبغض لله، قلبك هو واجهتك للحياة، عناية القلب مهمة ليست قابلة للتأجيل، كلّما زاد الرُّكام، عسُرت المهمة وتعقّدت وقد ينفر الإنسان حين لا يعلم من أين يبتدأ!

والشيء بالشيء يُذكر، وفي الغالب فإن كل مخموم القلب، سعى لتطهير قلبه وإصلاح نيته، فهو صدوق اللسان، والأولى أشدّ وطأة، فمن مكّنه الله من قلبه، سَهُل عليه أمر لسانه، فيَحسُن بيانه، فاللهم اجعلنا ممن مخمومي القلب صدوقي اللسان، وأتمّ علينا فضلك وكرمك وجودك وإحسانك.

الحمدُ لله الذي أتمّ بسابقِ فضله وإحسانه ١١ عامًا لمدوّنة كلمةٌ طيّبة، كم أُدِّبتُ وعُلِّمت، فاللهم فتحًا لمغاليق الأبواب، وفيض من الرَّحمات تُعين على تمامِ الرِّسالة.

﴿وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقࣲ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقࣲ وَٱجۡعَل لي مِن لدُنك سُلطانًا نَّصيرًا﴾ [الإسراء ٨٠]

11/11/2020

You may also like

2 تعليقات

Enas 11 نوفمبر 2020 - 12:25 ص

جمييل، موضوع مرة مهم، تنظيف القلب والاهتمام بالمشاعر

Reply
. 11 نوفمبر 2020 - 12:35 ص

حينها يتساءل هل تغيّر أم أن الغمامة عرّته؟!

Reply

اترك تعليقا