♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدأتْ القصة قبل عامان من الآن، يوم بدأ قلبي يتحرّك نحوهُ، خلال العامين، كان يُريني جانبًا واحدًا فقط، وعلى الرغم من أنه جانب واحد فقط، لكنه كان يؤسرني، ويجلب لعيناي السّهاد!
خلال العامين، كنت أسعى، وكنتُ من شدّة اجتهادي بالسعي، كان يخالجني شعور بأني قريبة من هاجر عليها السلام! كنت أشعر بأني أوشكتْ من سعيها الحثيث، ورغم أني لم أصل لدرجتها، لكن هذا ما كان قلبي يشعر به.
المهم بأنّ الله لم يأذن لفؤادي أن يقرّ برؤية ثمرة سعيه، هي ثمرة واحدة يقطفها، ثم يهنأ الجسد والروح بثمار هذه الثمرة. آنذاك، لم يكن يرضيني، أن يكون امتناعي، مما أرغب، بشر!
فكان قلبي يزبد ويرعدُ في كل شخص، كان يظنّه الحائل بيني وبينه!
ولما جاء هذا العام، ويسّر الله للفؤاد ما تعسّر عليه خلال عامين، عامين كانا بالميزان البشري، وكانا عقودًا طويلة بميزان شوق الفؤاد. لما أحلّ اليُسر بعد العُسر، جاءت الفتوح، لا! لم تجيء، بل انهالت عليّ!
نعم، إنّه الحجّ، قصّة الفؤاد الطويلة!
أتدركْ شعور أن ترى أمرًا يصوّره البعض، على أنه جلّ مناهم، لكنك، ودون أن تقصد، لا تجد أن الكلام يعنيك؟ لا تجد لكلامهم الصادق، مكانًا في قلبك؟ ولا تدري بأن ما تمرّ به ليس بطبيعي! لكنك تسير مع السائرين، دون أن تدري أيضًا ..
ثم ولأسباب قد يكون الله، ألهمكَ، فأدركتَ بعضها، وفاتك البعض الآخر، المهم أن هذه الأسباب جعلتْ تلك الكلمات، تُعاد على مسامعك، الكلمات لم تتغير، لكن شعورك تغيّر! أنتْ هو أنتْ فعلامَ الاضطراب؟
الله لما يريدك، يهيئ لك الأسباب، ولو لم تكن بصيرًا بتحرّكات قلبك، سيباغتك شعور، بأن كل شيء، تغيّر عليك فجأةّ! وفي الحقيقة، الله يُعبّد لك الطريق نحوه، بطرق خفية وأخرى ظاهرة، لكنك فشلتَ في ترجمة أقداره في حياتك!
لم يكن (الحجّ) يعني لقلبي شيئًا! وما وصلني خلال العامان، بأن شعوري نحو (الحجّ) تغير فجأة! وكأن صمّامًا كان مغلقًا، وكان يحبس دم الجسم كله، وفجأة لما فتح، انبثق الدمّ دفعة واحدة، أتدري بشعور الشوق، وكأنك تحبّ ذاك الشيء منذ زمن طويل؟ أعلم بأن ثمة مشاعر، لن يستوعبها، غير الذي جرّبها، الشوق للحجّ، أحدها وأهم تلك المشاعر.
لا أتحدث عن الشوق، لشيء أعرفه، إنني أقصد الشوق لشيء تعرف اسمه، ولا تعرف رسمه! ورغم ذلك، أنت مشتاق، فؤادك، يتمزق، يتقطّع، لشيء أنت لم تجرّبه، لكن شعورك يصدقك الخبر بأن ما اشتقتْ إليه، يستحق كلّ هذا، بل أكثر!
في الحقيقة، خلال عامان، قدّر الله لي أقدارًا كثيرة، بعضها، ترجمتُها بأنها (خير) والأخرى، كنت أجاهد لأكون من الصابرين الراضين الشاكرين، وكم كان يُضنيني ذاك الجهاد، ولا زال.
تلك الأقدار، لوهلة، أخرَجها قلبي دفعة واحدة، استرجعها كما لو كان يذكرني بألطاف اللطيف الخفيّة، وتدابيره التي يعجز أي عقل بشري استيعابها بسهولة؛ لما يفهم مقصده، سبحانه، ويدرك حكمته.
الرفقة الصالحة
أحد أهم أسباب ثبات قلبي على الطريق، تلك الرفقة الطيّبة، التي تجرّني جرًّا نحو الصراط المستقيم، كلما شعرتْ تلك الرفقة بأن رفيقة لهم، قد تزلّ ولو بأبسطِ الطرق، حتى لو جاء أمر ما مني، على سبيل الدعابة، كانتْ تلك الرفقة، تنهاني وتذكّرني.
انفصال والدايّ
يحدث أن تتعدد طرقك في تربية (قيمة) واحدة في ابنك، قد تعكف شهورًا وفي كل شهر، تستخدم مائة طريقة لتعزيز هذه (القيمة) في ابنك، وقد تنصرم الأشهر، ولم تحقق تلك القيمة في قلبه، شيئًا!
ولله المثل الأعلى، الله الربّ، الذي ربّانا، قد يختار قدَرًا واحدًا، عسيرًا عليك، لكنه يهذّب فيك أشياء كثيرة، كثيرة جدًا، كنت ستتعلمها لكن مع مشيب شعر رأسك، الله وفّر عليك عناء قطع كلّ تلك المسافة، فوهبك، نعم أقول (وهبك) قدرًا عسيرًا رحيمًا.
مرض والدي
من الأحداث المفصَلية في حياة قلبي، أيام مرضه، أمدّ الله في عُمره، ذلك القدر، الذي خرجتُ من بعده، بعلاقة متينة مع مولاي، الذي تولّى كل ما كان يحمله قلبي.
تبِعتْ تلك الأقدار، وتخللتها، أقدار أخرى صغيرة في حدوثها، كبيرة الوقع على قلبي، قلبي الذي يعظّم كل حدث، ولا يجيد تجاوز الأمور الصغيرة! ثمّ .. أتى الحجّ!
كنت أظنّ بأنها النهاية! نهاية الاختبار الإلهي، وحان وقت الحصاد!
كنت أظنّ بأنّي أصبحتْ مُستعدة! لأداء الركن الخامس! الفريضة التي تاقت الروح، لها، عقودًا طويلة!
كنت أظنّ بأن جلّ ما انتظره، هو أولّ شهر ذي القعدة، يوم يفتح التسجيل في حملات الحجّ! ذاك اليوم الذي عكفتُ فيه على الموقع، من قبل الثامنة، وحتى الثالثة ظهرًا، ولما أتاح الله لنا مقعدًا، خررتُ ساجدة. ولمرة أخرى، ظننت بأنّ هذه سجدة الشكر الوحيدة التي سأسجدها في هذا الموضوع! وما أكذب الظنون!
ايجازًا لكثيرٍ مما قد يقال، تقول أ. أناهيد، حفظها الله، بأنّك في كل حجّة تحجّها، يبدّل الله في بلاءاتك! تارة يكون بلاءك، الرفقة الذين معك، وتارة بلاءك، نفسك، وتارة…. بلاءك في حملتك! وقد رأيتُ ذلك رأي العين!
أراني الله ما أكره، وما لم يكن في الحسبان، ليربّي أشياء متبقية، في عمق القلب، لابدّ أن تُمحّص، قبل اللقاء، قبل لقاءه عزّ وجلّ.
ياربّ ها هي تعود مجددًا! تلك التي أبغضها، أمقتها ياربّ، لكنها تسكنني من حيث لا أرغب! تحرّكات قلبي! ها هو يزمجر بصمت، دون أن يدري أي أحد، لكنك يا الله تعلم ما نخفي وما نعلن! ياربّ وحدك من تعلمْ، ارتباكي لتحرّكاته التي لا أعرفها عن نفسي، عن مواجهاتي معها! ياربّ اعنّي على نفسي!
كان الله، يريني في نفسي، ما أكره؛ ليُذكرني بفجوات قلبي، بالثقوب التي لا بدّ لها أن تُسدّ.
كان الله يُصلح أمرًا، أعاود السجود، سجدة الشكر، وفي كل مرة أظن بأنها الأخيرة، لكنْه كان يدبر أمر قلبي، بلطف خفّي، كان يُسعد خاطري بتمام أمرٍ ما، حتى إذا استرددتُ أشياء في نفسي، يُسقطني من عين نفسي مرة أخرى! أستطيع القول بأن بلائي كان نفسي ثمّ الحملة!
حسنًا، ولما أخذتِ الأيام تنصرم بسرعة، وأشياء في القلب اعتلاها الكثير من الصدأ، وأخرى معطوبة، كنت أشعر بأني سأبيتُ في منى، بقلبي نصفُ المعطوب هذا! ولا مفرّ مني، لكنْ الله وإن انقطعنا عنه، يُحيطنا، يتولانا، بما قصم عودنا الذي اشتدّ في وقتٍ متأخر، المدهش، أنه لما يرى فيك صدقًا، يعطيك ما ترغب، حتى دون أن تسأله، وما ذلك عليه بعزيز، سبحانه.
المهم، بأنه لما ضاقت الأيام، والعُطب والصدأ موجودان، حسنًا كيف سأعالج هذه الأمور؟ والوقت لا يسمح لي بذلك؟ لو عرضتُ مشكلتي على استشاري، لما أعانني، مثلما فعل الله، سبحانه!
حتى لا يُرهق قلبي، عسّر لي في كل شأن، أمر صغير، لكنْ لما اجتمعت تلك الصغائر، باتت لي كوحشٍ كاسر! كان يستوقفني فكرة اضطراب كل شيء، في وقتٍ واحد، والغريب أكثر، اضطراب أكثر الأشياء الساكنة في حياة القلب! سبحان القدير العليم.
كان حريًّا بتلك المهترئات في قلبي، أن تجتمع وتنفض ما عليها، وأن يُعين الجزء الصالح فيها ما فسد منه، حتى يقاوموا ذلك الوحش الكاسر، حتى لا يموت الجزء الصالح فيّ!
مقابل كل هذه الأوجاع التي قد نمرّ بها في أيامنا العادية، آية واحدة، تفسّر لنا كل ما يحدث بالتحديد:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) العنكبوت:2
خلال ثلاثة أشهر، كنت أقرأ عن أشياء كثيرة، حصد قلبي مفاهيم وظنّ بأنه قادر على أن يمتثلها، التكرار وحده لا يصنع شيئًا! دعاوى الإيمان لا بدّ أن تُختبر! هذا ما قالته أ. أناهيد، وهذا تحديدًا ما يحدث معي ومعك، ومع كل مؤمن.
لمّا تقول، لو كنتُ مكانه لما فعلتُ فَعلته، يُنسيك الله ما حدث، وما قلته، ويجعلك في موقف المفعول به، ليُريك سوءة نفسك! إنها دعاوى الإيمان، وما أكثر ما ندّعي يا قوم! غفر الله لنا.
كنتُ أعجبُ من شأن الحجّ، كيف أنه يغيّر كل حياة الإنسان؟ منطقيًا، هذا فعل مستحيل الحدوث! خمسة أيام ياربّ لا تُصلح فساد السنون!! لكن لما عشتُ ذلك الآن، وقبل أشهر من الآن، أقول: منطقيًا، لا بدّ أن يحدث ذلك! أن تتغير، أن تجد هناك، في منى أو عرفة النسخة الجديدة منك! يحدث ذلك لمّا تحجّ روحك، قبل أن يحجّ بدنك! ياربّ بلغنا وأكرمنا.
لمّا تتعرف على أشياء كثيرة في الحجّ، ما كنتَ تعرف أن معرفتك، هذه خاصة فقط بالحجّ، بل بيومك، وحياتك كلّها، تُسقط كل ما تعلمته عن الحج، في مواقفك مع الناس، والحياة.
يقدّر الله لك أقدار، قبل حجّتك، وبعد معرفتك بأمور كانت غائبة عنك، وكأن تلك الأقدار (بروفة) تجربة لك! الله ينتظر منك ما يحبّ، ورغم أننا في أغلب الأحيان، لا نفعل ما يحبّ، لكنّه، ولأنه الكريم، يمنحنا فرصًا لا تنتهي، يا الله ما أحلمك!
علّمني الله بأن (المال) ليس العائق الوحيد لأن لا يحج الإنسان! أراني الله وفرة الأموال، وقلة الأشواق! أراني الله أشياء أخرى تحبس الإنسان، عمّا يحبّ، لم يكن يعلم بأنها قد تحدث! قد ترتب لرحلة ما، وتخطط، تدفع أموال طائلة، وتستبشر بسير كل أمورك على خير، وتركن لهذا الخير (وتطمئنّ به)، الآن الله يريد أن يُربيك، يُصيّر أمرًا قدريًا؛ حتى يُعلمك بأن ما تركن لغيره! قد يكون ذلك في حالة وفاة أو مرض مفاجئ.
علّمني الله أن أتمسك بحباله، مهما كانت الأمور مبشّرة، وألا أركنَ لخيرٍ أبدًا! فياربّ الحجيج، اكتبني وأهلي منهم لهذا العام،واجعلها حجّة مبرورة، لا رياء فيها ولا سُمعة، واعفر لنا ما بيننا وبين خلقك، وتجاوز عنا، واقضِ عنّا ما عجزنا عن قضاءه، ولك الحمدُ في الأولى وفي الآخرة.
3 تعليقات
جميلة هي عباراتك غاليتي كم أخذتني إلى حيث المكان الأطهر في العالم
مل عبارة هي بحد ذاتها قصة منفصلة
وعبارتك التي قصمت ظهر البعير
وفرة الأموال وقلة الأشواق
يارب اكتبلي الحج فكم اشتقت لتلك الأيام التي تصلح عطب السنواات
دمتي بود
وارفع لك قبعة الاحترام والتقدير دائما
حقيقي بعدما قرأت التدوينة شعرت بعظمة الحج .. شعرت بأنه ليس مجرد أيام تنقضي و تنتهي المسألة هكذا!!
كثيراَ ما كنت أتسائل في نفسي؛ كيف يكون التقرب من الله و الخشوع و الخنوع و الخضوع بين يديه سبحانه مع ضجة كل تلك البشر!! لقد أخبرتك سابقاَ ما يأخرني عن الحج هو أني أريد أن أجد حملة تجعلني أتقوقع على نفسي و أتعبد الله في محرابي دون مضايقة من أحد!! كنت أظن أن الحج ما هو إلا أيام يكون فيها العبد مرتبطاً بالله سبحانه وحده دون أي إزعاج من أحد!!
كم أنا مخطئة!!
أرجوك احكي لي ما حدث معك و ما جال ف خاطرك إبان كل الأمور حولك عل الله يكتبني من ملبين النداء في العام القادم..
* همسة قلبية:
شكراً لأن كلماتك أشعلت في قلبي الحنين و الشوق لتلك الأيام, جعلتني كلماتك أفكر بماهية ابتلاءات الله لي في حجتي و كيف سأواجهها, متحمسة لأن أرى نفسي الجديدة 🙂
أسأل الله العلي القدير أن يكتب لك الأجر لا ينقص من شيئاً
أم مناف:
حياكِ المولى أنتِ وكلامك الطيب الصادق 🙂
اللهم آمين، الله يجعلنا من زوّار بيته عُمَّارًا وحُجّاجًا ()
خلود:
صدقيني كنت أظن ذلك في البداية!
لكن، لما يبصّرك الله، تراجعين كل ما سبق من حياتك، ويوفقك الله لترجمتها قدريًا : )
الله يرزقك حجة مبرورة، لا رياء فيها ولا سمعة : )