♠
♥
بسم الله الرحمن الرحيم
قررت هي أن تكون صانعة للتاريخ ، منذ أن كانت طفـلة ، واستمرت في تلك الصناعة حتى بعد حصولها على منصب الـزوجة والأم . لم تُعر مكانتها الاجتماعية أي اهتمام يعوقها دون تحقيق ذاتها وترك بصمتها بطريقة فعالة .
كتب التاريخ تعجّ بفعالها التي خلَّدتها ، والتي لم يخبو بريقها حتى هذه اللحظة ، فلم تكن كمعظم إناث عصرنا الحاضر ، نشأت صابرة ، جاهدة ومجاهِدة ، تتحمل الصعاب ، بل وتتحمل وعـورة الأسطح والتضاريس التي حولها ، دون الالتفات إلى المثبطات من حولها .
أعلم بأن كلماتي فيها مبتورة قبل أن تكون عاجزة ، ولكنـي أحببتها فعلاً كلما تعرفت عليها أكثر من خلال ” قراءتها ” أكثـر ، لذا جاءت هذه التدوينة ، لتبرز بعضاً من فيض صنائعها العِظام والتي لا تفيها السطور ولا تكفيها ، بل ربما تهشمت السطور لثقل المعاني الملقاة عليه !
أسماء بنت أبي بكر الصـديق – رضي الله عنها – واختلافها عن الجميـع ، والمواقف بكل ما فيها من تفاصيل تنضح بعِظم هذه الإنسـانة .
ذات النطاقين :
كانت تتحمل وعورة سطح جبل ثور فقط لينال الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر الصديق – رضي الله عنه – مؤونتهم الغذائية .
إطعام الفَــرَس :
كانت – رضي الله عنها – تجمع نوى التمـر وتسوسه وتعجنه وتطلب المساعدة في خبـزه لتقدمه وجبة هنية لفَـرس زوجها الزبير . قد ينظر الرائي لعملها على أنه من باب الوجوب عليها الإطعـام ، غاضاً طرفه عن مدى صبرها وما تُلاقيه من مشقة وعنـاء في إعداد هذه الوجبة !
عبد الله المُختلف :
انعكست تربيتها على تربية ابنها عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – فقد حدث أنه كان يلعب مع أطفال آخرون في حين كان عمر بن الخطاب خليفة ، فمر من المكان الذي يتواجدون فيه الصبية ، ففر جميع الأطفال عدا عبد الله . استغرب عمر رضي الله عنه فدار بينهما الحوار التالي:
عمر : لمَ لمْ تفر مع أصحابك ؟
عبد الله : يا أمير المؤمنين ، لم يكن لي جُرماً فأخاف ، ولا الطريق ضيق لأوسع لك !
عمر : ( ابتســـم )
وإن دل هذا الموقف على شيء فلا يدل إلا على مـدى ثبات انفعالات عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه – مما أدى إلى إعمال عقله فصاغ فكرته بشكل منطقــي ، ويعود هذا النضج الانفعالي إلى تربيتها له – رضي الله عنها .
ثباتها رغم وفاته :
حينما قتل الحجاج الثقفي ابنها عبد الله ، وعرض عليها رأس ابنها مُنفصلاً عن جسـده ، فقال لها الحجاج : كيف رأيتني صنعت بعبد الله ؟ فردت عليه : “رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ” ، ومما قالته له ايضاً : ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن من بني ثقيف من هو مبير وكذاب .. وإني لأظنه أنت ” !
العالم بأســره بحاجة لكِ أيتها الأسماء – رضي الله عنكِ ، بحاجة لمن يحذو حذو فعالك ، رزقنا اللــه الصبــر والأناة لنحظى ما حظيتِ به من مكانة هي أشبه ما تكون بالمُلك البشــري .
* د. ميسرة طاهر جزاه الله خير الجزاء لعظيم عطاياه ، والتي منها استلهم أفكاري ، حضرتُ محاضرة له بعنوان ” العـالم بحاجة إليكِ ” ومن خلالها جاءت هذه التدوينة : )
♦
♣
إينــــاس