الرئيسية كَوبُ حَيـاة الموضوع فيه ” إنّ ” !

الموضوع فيه ” إنّ ” !

بواسطة إيناس مليباري

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

Dispersion

لا أدري إن كان استخدام جُملة ” الموضوع فيه إنّ ” ينحصر لأهل الحجاز ، أم أن شعوب الأرض العربية تستخدمه ! على أية حال ، تُقال هذه الجُملة حين التشكك في أمرٍ ما .. تُشير الـ ” إنّ ” للشيء المجهول الغامض الذي يرغب الطرف الثاني في أن يعرفه .

ولأنّ الإنسان أعلمُ بنفسه من غيره بها . فهو يُدرك مواطن الـ ” إنّ ” في قلبه ، يُدرك عددها ، سببها ، كما يعلم عن نفسه متى تبدو هذه الـ ” إنّ” ساطعة على جبينه ، ومتى تخبو ، أو متى بإمكانه إخمادها حتى زوال السائلون . في الوقتِ عينه ،  هذا الإنسان الذي يدّعي بأنه يعلم بنفسه ، يعجز عن إخفاء بعض ” الإنّات ” التي في قلبه ، والتي تُظهرها عيناه ، ثم يلمحها المارّون والعابرون من بين قلبه ومن خلاله ، حينها ، تُصوّب  ” الإنّات ” الصادرة مِن حوله ، لتجعله في مأزق من أمره ، من خلفه ” إنّ ” ومن أمامه ” إنّ ” ومن كل جانب ” إنّات ” لا تنتهي . في تلك الأثناء ، وفي ذروة حصار الأعين التي تنتظر ما يُبدّد تشككها وتساؤلها ، يجري بين عقل وقلب هذا المُحاصَر حوار أو قل إن شئت جدال ! القلب يعلم بأنه لا مفرّ وأنه حانت اللحظة ! اللحظة التي خشي كثيراً من مواجهتها ، لكن العقل لا زال يروض القلب كما يفعل دائماً . العقل يخبر القلب بأن فرصة النجاة متاحة مرة أخرى . النجاة التي يعني بها العقل هي : الهرب من الحقيقة ! يرتبك القلب ، فهو لا يجيد فعل هذه الأمور ، هيأه الله للاستجابة دائماً . لذلك هو يؤمن بأن حديث العقل صحيح لكنه يحتاج للعقل ليأخذ بيده ويهربا سوياً ..

ينتهي حوارهما في الوقت الذي يرتجل فيه ذلك المُحاصَر بأي شيء لا يعلمه حتى هو عن نفسه ! لكن الله يُطلق لسانه في كل مرة بأمر مختلف ، بحجة بأن لا شيء مضطرب ، وبأن الأمور لا زالت طبيعية ، ولا شيء يحدث . ذلك المُحاصر ، في كل مرة يضطر لأن يختلق سبباً أو آخر لإقصاء الـ”إنّات” من حياته وعن قلبه ، تتخدّر أوردة قلبه إثر إجهادها كلّ مرة . فهي كالذراع الذي يدفع جسماً يبلغ وزنه أطنان وأرطال ، لا يقوى الإنسان على دفعها إلا بشق الأنفس . القلب يصعب عليه أن يكون على غير ما خلقه الله عليه : الصدق .

وبقيتُ لوحدي أفكر في السّهولة الشديدة التي يُمكن لبعضنا الهروب بواسطتها من مزالق ، تبدو لبعضنا الآخر كبيرة جداً وعصيّة على الحل – عبد الله المفلح

كيف بالإمكان إخبار مجتمع بأن ثمة أشياء في حياتنا كبشر وكمسلمون تحوّلت من شيء مُجمع عليه إلى شيء مُختَلف فيه ؟ ولأن القلب يعلم جيداً بأن الـ ” إنّ ” التي في داخله ، هي من الأشياء التي ما إن تظهر لمن حوله ، لأولئك الظانين بأن الأمر مُرهق عليهم ، أن يتعايشون مع شخص مختلف عمّا كان عليه ، دون معرفة ما دعاه لأن يكون بهذا الشكل ، هم لا يعلمون كم أن الأمر أشد وطأة عليه منهم . المهم بأن هذا الإنسان يعلم جيداً بأن نوعية الـ ” إنّ ” من النوع الذي ما إن يظهر لمن حوله ، سيكون مصيرها : الوأد ! وصعب على امرئ أن يجتمع في قلبه غيابان ، غياب الروح وغياب الإحساس ! لذا فإن ذلك الإنسان كثيرُ التفكير في كلّ مرة يكون قراره واحداً ، في كل مرة تعاود مَن حوله فكرة حصاره بأسلحة الموضوع فيه ” إنّ ” .. إنه يهرب دائماً . الذي يهرب دائماً من المواضيع التي ” فيها إن” ، هو :  مُجرم بنظرهم ، بريئ  أمام الله ، حزين أمام قلبه ، تائه في لُقيا دربه .

كُلنا يُخرج الكلمات ، ولا أحد يقفُ عند كلمته . نُجاورها ، ونهربُ منها إليها ! – عبده خال

إن كنت إنساناً ، فأنت عُرضة للإصابة بداء الـ ” إنّ ” ، هذا إن لم تكن مُصاباً بالفعل ! السيء في هذا الداء هو استمراريته ! إنه لا يتوقف عن النمو ، يزداد ويكبر كلما ازداد بريق عينيك ! كيف على الإنسان أن يُخبر من حوله ، بأنه وبرغم حبّه الشديد والصادق لهم ، لكنه يتعذر عليه الإجابة ، هكذا ببساطة .. وينتهي الأمر ، وتقفُ الـ ” إنّات ” عند حدها . ما فعلته رغبته البسيطة هذه هي : زيادة الـ ” إنّات ” .. واستمرّ الإنسان في الهرب إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً . . . .

You may also like

4 تعليقات

دًُنــا 12 مايو 2013 - 7:38 م

عزيزتي إيناس
فكرك الراقي يبهرنا دائماً بما هو جديد وممتع الى الحد الذي يجعلنا نتخيل ذلك الموقف رغم حدوثه يوميا معنا
كثيرة هي المواقف التي تفضح الإنات وتربكنا فتظهر لغة الجسد بما لانحبه أو لانريده
شكرًا من القلب

Reply
عبادي 18 مايو 2013 - 5:42 ص

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,

ليست من عاداتي ان اقرء مواضيغ, اخبار او حتى الكتب ..
ولكن شدني فكرتك بربط هذه الكلمه لهدف اردتي ان توصليه : )
احببت ان اضيف شس بسيط الى الموضوع وهو اصل كلمة فيها ان

يُقال إن أصل العبارة يرجع إلى رواية طريفة مصدرها مدينة حلب، فلقد هرب رجل
اسمه علي بن منقذ من المدينة خشية أن يبطش به حاكمها محمود بن مرداس لخلاف جرى بينهما،
فأوعز حاكم حلب إلى كاتبه أن يكتب إلى ابن منقذ رسالة يطمئنه فيها ويستدعيه للرجوع إلى حلب،
ولكن الكاتب شعر بأن حاكم حلب ينوي الشر بعلي بن منقذ فكتب له رسالة عادية جدا
ولكنه أورد في نهايتها “إنّ شاء الله تعالى” بتشديد النون،
فأدرك ابن منقذ أن الكاتب يحذره حينما شدد حرف النون،
ويذكره بقول الله تعالى: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ”*.
فرد على رسالة الحاكم برسالة عادية يشكره أفضاله ويطمئنه على ثقته الشديدة به،
وختمها بعبارة: “إنّا الخادم المقر بالأنعام”.
ففطن الكاتب إلى أن ابن منقذ يطلب منه التنبه إلى قوله تعالى: “إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا”*،
وعلم أن ابن منقذ لن يعود إلى حلب في ظل وجود حاكمها محمود بن مرداس.
ومن هنا صار استعمال (إنَّ) دلالة على الشك وسوء النية..

استمري ونحن لك متابعين : )

Reply
علي العمري 18 مايو 2013 - 10:18 ص

في حياة كل منا خصوصية، وهذه الخصوصية حين تطغى قد تجعل المرء غامضا في عيون الآخرين، غير أنه ما دام أن المرء لا يتصنع ذلك وإنما تفرضه عليه الظروف فلا ينبغي أن يشغل باله بما قد يلوح للآخرين من علامات استفهام وتعجب إذ هو ليس مضطرا للإجابة عن أسئلة فضولية تحاول تعرية جانب يحتفظ بتفاصيله لسبب يراه وجيها، وقد يكون في الإفصاح عنه ما يلحق الضرر به أو بغيره، ثم أنه ليس كل إنسان قادر على فهم ما يسمع وتفسيره التفسير الصحيح، وأما القادرون على الكتمان فهم صنف من البشر يكاد يكون معدوما، ومن جرب عرف، فلا يغرنك معسول الكلام وادعاء أقصى درجات الحميمية في الصداقة.
أما الصراع بين العقل والقلب، فتغليب القلب يفضي إلى الندم غالبا، وتغليب العقل يفضي إلى الوحدة غالبا، والتوازن إن أتيح ففيه الراحة، وإن لم يتح فمتّبع العقل أحزم وعن الندامة أبعد، والله -عز اسمه- أعطانا العقل لنفكر به، وأعطانا القلب لنستشعر به، فمن فكر بقلبه فقد استخدم أداة في غير وظيفتها، وهذا خلاف الحكمة.

ودمت منيرة بنور الله.

Reply
إيناس مليباري 22 مايو 2013 - 4:32 م

دُنا ؛
نسأل الله في المواقف التي تكون فيها قلوبنا وجلة من أن تباغتنا أسئلتهم
بما لا ندري له جواباً ،
شكراً لحضورك عزيزتي : )

عبادي ؛
إضافة ثرية جداً ، معلومة جميلة جداً وطريفة .. إنها فطنة العرب !
شكراً لمتابعتك الصامتة :”)

علي العُمري ؛
حاولتُ أن أكتب شيئاً ، شيئاً اعتبره رداً على ردك ، لكنني – والله – لم أتمكن
ذلك لأن ما كتبته ، لا يحتاج للرد . . . هو للتأمل ، والتفكر . . .
بورك فكرك الذي يبث الطمأنينة للقارئ : )
شكراً في كل مرة يأتي لنا فكرك بشيء أجمل من سابقه . .

Reply

اترك تعليقا