♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنك لن تُدرك – مهما حاولت – بأنك ستضلّ طريقك ، إلا حينما تصبح ضالاً للطريق بالفعل . إنك لا تدري كيف حصل هذا الأمر ؟ لماذا حصل ؟ كيف غاب عنك وعيك ؟ فكّر في الأشياء والأشخاص من حولك . حاول احصاء عدد الذين تعرفهم من الذين ضلّوا طريق العودة . استرجع كيف وصلوا لضلال الطريق ؟ ستجدُ بأنّ سيرهم نحو الحياة ، كان على نهج ( الضعيف أميرُ الركب ) هذا الذي ينصّ على أن الناس لو كانوا في سفر ، عليهم أن يسيروا بسير صاحب الدابّة الضعيفة ، من أجل الحفاظ على وحدة الركب ، وتضامن المُسافرين . كما ذكر د. البكار ذلك . وكذا حال أولئك الذين ضلّوا الطريق ، بدأ فقدانهم للطريق حين التفتوا للفتيل المشتعل في قلوبهم ، أياً كان مسمى هذا الفتيل ، لكنّني أقصد بالفتيل هو ” بداية الفتنة ” أن يفتتن قلبك بما لم تخطط له يوماً ، لكنّ الله كتب لك أن تعيش هذا الابتلاء ، مهما كان قبيحاً أو جميلاً !
الذين ضلوا الطريق ، جعلوا أضعفَ ما في قلوبهم ، قائدهم ، وأمير الركب . وبحُكم ضعغه ، جعل ضلال الطريق ، مرساهم ومرفأهم ! ثم رفع راية الاستسلام بأنه لا يُجيد قيادة الدفة ، ما تراهم فاعلون بعد الذي قد حصل ؟ هُم يعلمون بأنهم لا يملكون الحق في إنزال وابل الشتائم على هذا الضعيف ؛ لأنهم من أجمعوا بأن يكون أمير ركبهم ! لأنهم مسؤولون عن عدم قدرتهم على تقويم اعوجاج الضعيف ، هم الآن يتحملون عواقب عجزهم ، لذلك فإنك تجدُ الضّالون للطريق ، ثرثارين ، صامتين . يتحدثون مع من حولهم ، حول كل شيء ، حول الأمور الجميلة التي تحدث لهم ، حول الأشياء التي يحبون فعلها ، لكنهم ورغم كل الثرثرة التي يُحدثونها في المجالس ، يشعرون في أعماقهم بأن قلوبهم صامتة ، صامتة إلى الحدّ الذي جعل اللسان يتحدث ، والفؤاد منصت .
قد يظنّ من يظنّ بأن الضالون للطريق هم أصحاب الآفات الكبيرة والعظيمة ، ولا يدرك بأن ضلال الطريق لا يعرف أحداً ، إنه يباغتك في أي شيء في حياتك ، ذلك الشيء أو الشخص الذي ما إن تتعرف عليه ، تتمازج الأرواح ، إنك لا تشعر بل تُوقن بأنّك . . ضللتَ الطريق يا صاح . إن الأشياء أو الأشخاص الذين يتسببون – دون أن يعلموا – بضلال طريقنا ، يُحدثون – قبل أن نشعر ونوقن بأننا في ضلالٍ للطريق- أشياء جميلة في قلوبنا ، تمرّ أوقات ولحظات ونحن نقضي أوقات ممتعة ، حتى لنخال بأن هذا اليوم ، هو اليوم الوحيد الذي يستحق الحياة . في هذه اللحظة ، تموت كل معاني الشقاء ، والبؤس . نسحق كلّ ما قد يعكّر صفو هذه اللحظة التي لو وُضعت في كفة ، ووضع العالم في كفة ، لرجحت تلك الكفة ، الكفّة التي تحوي ذلك الشخص ، أو ذلك الشيء .
للناس فيما يحدث بعد كل تلك النشوة ، والابتهاج ، مسلكان . منهم المرء الذي لن تُدركه ألطاف الله ، لأنه لم يسعى لأن يتخلص من ضلال الطريق ، هذا المرء الذي يحبّ الله ، ويحبّه الله ، لكنه غير قادر على إيجاد الطريق ، والتخلص مما قد أوقع نفسه به . قد يكون ما أوقع نفسه به أي شيء يخطر على بالك ، ولا أرغب في كتابته ! فتجدُ الأول سيعبد الله ، لكن عبادته ستختلف عن السابق ، لن يستطيع – مهما حاول – أن يعبد الله كما كان يعبده قبل أن يضلّ الطريق ، فقلبه معلّق بالشيء الذي أضلّه الطريق . أما الثاني ، فهو المرء الذي ستحفّه ألطاف الله ورحماته ، لم تجيئه تلك الرحمات عبثاً ، بل جاءته لأنه سعى لأن يتخلص من ضلال الطريق . وفرق يا صاح أن تطلب الله أن يخلّصك من ذلك الشيء أو الشخص ، وأن تطلبه هداية الطريق . فأنت في الأولى تُوقن بأن الخلل في الشخص أو في ذلك الشيء ، بينما في الثانية ، تُوكل عجزك لله ، وتُنفي النقائص التي لا يحق لك إثباتها في غيرك .
وبعد كلّ ما قد يمرّ به الإنسان من تنقلات بين تقرّبه من الله ، وبين انهماكه في تسكين أهوائه ،بين أن يحبّ الله قولاً وعملاً ، وبين أن ينزلق قلبه في مزالقٍ لا يُحسن فيها – هذا الفقير – التدبير . سيشعرُ بأنه زاهد ، ليس الزهْد بالمعنى الذي تعرفه ، إنّه زاهد بالمعنى الذي نصّه د. سلمان العودة : ” الزّهد ليس بتحريم الحلال ولا بترك الطيّبات ، هو تجرّد القلب والرّوح من حُظوظ النفس ” . وإن قلبي ليقول كُن زاهداً في الحياة ، تغنَم .
مثلما مال القلب ، يعتدل .
الخطأ يقع ، القاعدون فقط هم الذين لا يعثُرون .
د. سلمان العودة
(..)
ولما عرفتُك ، ظللتُ الطريق و . . وجدتُني
5 تعليقات
صعب ان نمضي في الحياة بدون تعثر أو ضلال عن الطريق في بعض أحيان, فيه أشياء كتير بتبعدني شوية لكن باحاول الرجوع للطريق بسرعة, وصحيح عدم إحساسنا اننا تُهنا أصلا بيضيع وقت طويل إلى أن نقرر الرجوع, دمتِ بخير ايناس
و ماذا إن لم أعلم ذنبي ؟؟
فهناك من الذنوب مما تخفى حتى عن صاحبها.
فكيف السبيل لندعو الله دون إيكال العجز عليه …؟؟
نقطة عميقة تلك التي غصت ِ فيها يا إيناس … عميقة جدا ً ..
سوسن ؛
والله في عون العبد ، مادام العبد في عون أخيه
تأتينا معونة الله لأشياء نفعلها دون أن ندري بأن مانفعله دائماً مع الآخرين
هو سبب تبعية رحمة الله لنا ، وتداركه لحال قلوبنا
دمتِ مضيئة لهذه السمفونية ()
طارق ؛
ما أؤمن به يا طارق ، وقد جرّبته بنفسي :
” إذا علم الله من العبد صدق النية ، أعانه ”
إذا وُجدت النية الصادقة ، باكتشاف ماغاب عن بصيرتنا ،
سيُلهمنا الله بطريقة أو بأخرى لم تخطر على بالنا ياطارق ، صدقني . .
بالمناسبة ، الله يحب من يوكل عجزه إليه ، فيقويه
الله يحب من يذلّ نفسه إليه ، فيعزّه
طارق ، نقاطك التي تضيفها ، تُثري التدوينة ، وصاحبتها : )
سعيد ٌ بجوابك … خاصة ً خاتمته 🙂
ممتنة لحضورك :”)