عن العازفة وقلبها ، وحكايا لا تنتهي :)
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولمّا أتى، ما فقهتُ خفقات قلبي المُضطربة، اليوم فجرًا الرحيل، لتلك الأرض التي ما كتب الله لنا لقاءها رغم قُرب قرب المسافات، عقودًا طويلة! راجعتُ قائمة حاجياتي، أغلقتُ حقائبي، راجعتُ قراءاتي، وظلّ قلبي مُستيقظًا، يوقظني بأشواقه، إن لم يوقظني المنبّه بصوته.
(1)
ركبنا الباص، كنتُ انظر للأُفق، مشغولة الفكر، مضطربة الأشواق، وبينا أنا كذلك، مررتُ كفّي الأيسر حول معصمي الأيمن، فلم أجدها! سُبحتي! أنا متأكدة من أني لففتها جيدًا حول معصمي، كما أفعل بالعادة! تعكّر صفوي للحظةّ! أسأل أمي، فلا تدري، وكذلك أختي، تُعطيني أمي سُبحتها، آخذها على مضض، وقلبي غير راضٍ! كلّ هذا في دقيقة أو أقلّ! ولأني سألتُه كثيرًا أن يُعينني على أن تكون حجّتي، حجّة العُمر، مبرورة، فقد ألهمني قولها الذي ناسب الموقف كثيرًا، وسكّن اضطرابي، قالت لي: “سيحدث أن تفقدي شيء لم تحضريه معك أثناء إعدادك،فاجعليها فرصة لتعليم نفسك أن لا تتعلق بشيء، وأنّها تستطيع الاستمرار بدونه“. وهذا ما علّمني الله إياه، فجر يوم التروية.
(2)
في المُخيم، صُعقتِ بأن من بيننا من هي حامل بشهرينِ أو ثلاث! وأُخرى أتت بطفلها الذي لم يُفطم بعد! وثالثة تركت ابنها ذو العامين عند صديقتها! تخيّلتُ لو أني كنتُ إحداهن؟ وكان شوقي هو شوقي، ماكنتُ سأفعل؟ هل كنتُ سأجاهد فيك وأنا مُجهدة بحملٍ يا الله؟ أم هل كان قلبي سيحتمل أن أحجّ وصغير يشغلني عنك؟! أو أني مُغتربة، وأترك قطعة مني، عند صديقتي؟ يا الله حمدًا لك ثلاثًا، أن لم تجعلني واحدة منهنّ حتمًا ما كنتُ لأفعلٍ فعلتهنّ. علّمني الله ظهر يوم التروية، ثمة أفئدة تفوق أشواقك، يافقيرة الشوق! أراني الله حقًا قوله صلوات الله وسلامه عليه، بهِمم تعلّقتْ بالثّريا، فبلغّها الله واصطفاها! كانت ثريّاهم، حجّة، رغم كل الظروف! ياربّ تقبّل مني ومنهم.
(3)
الساعة الثانية فجرًا، وقت اندفاعنا لعرفة، لكن رأسي، ليس على ما يرام، ياربّ لطفك وسترك، سرتُ معهم بجسدٍ مُترنّح، ورأس مضطرب جدًا، أعرف جيدًا نوبة شقيقة كهذه! عسيرة يا الله، لا أريدها الآن، فجر عرفة ياربّ أريده، فلا يضيع في نوبة بائسة كهذه! لكن يُربيني الله من حيث لا أحتسب للتربية طريق، في الطوارئ، كدتُ أصرخ بوجه الطبيب، حين قال لي بأنه لا يستطيع إعطائي إبرة! تمنيتُ كما يتمنى قلبي دائمًا، أن يكون هناك مقياس يقيس حدة وجع الرأس! كما تفعل أجهزة الضغط والقلب! أخبرني بأنه لا يملك عقارًا مسكنًا، إلا نوعًا جديدًا، ولابدّ أن يقوم باختبار حساسية أولًا، وبالفعل، لم يناسبني العقار، انتفخ جلدي، وأصبتُ بحكة شديدة، أخفيتُ كل هذا وأخبرته بأن الأمور على ما يرام، ياربّ كذبتُ هذه الكذبة؛ حتى لا تضيع أشواقي، حتى لا تنفلت عرفة، يارب تقبّلها منّي.
(4)
خيمتنا في عرفات، كانت ليست على ما يرام، كما كان رأسي حينها! زادت الاحتجاجات! تعالتْ الأصوات، ياربّ رُحماك! ضيق في المكان، وزيادة على ذلك، دخول أُخرَوات للانضمام معنا، أخروات لا ندري من أين أتين! زاحمننا في المكان، وفي الهواء! أنام الله الأعين دون علمنا، وفي ضُحى عرفة، اشتدّ بنا الحرّ، مع تعطل أجهزة التكييف، الحرّ الذي كان سيهون لو هوّنه من حولك! تلك الحرارة، ماكانت لتعدل شيئًا من حرّ جهنّم، ياربّ بصرّنا بما تقدّره لنا، وبفعل الحر، ساءت الأنفس! وانهالت بعضها بالشتائم، التي لوّثت أسماعنا! ، ثم أتى مندوبًا من وزارة الحجّ بعد عدّة شكاوى، يارب في الدنيا، قد نلجأ للحكومات، فتدافع عنّا، يوم الحشر ياربّ من سيقبلنا إن لم تقبلنا؟ ياربّ ادرِكنا وتداركنا برحمتك.
(5)
في ظُهر عرفة، كانت إحداهن، تدعو وتقرأ القرآن، وبعد أن انتهت، دار بينها (حوار) وبين حاجّة من الجنسية المصرية، كان خلافهما حول كيفية نطقها لحرفَي (ض/ ظ) الحاجة السعودية كانت تقول بأننا كعرب نعرف كيف ننطقها، بينما الأخرى، كان تقول لها ولكنكِ لم تقوليها الآن بطريقة صحيحة، كنتُ أنظر إليهم؛ حتى ينتهي المشهد، أريد معرفة نهاية الحوار، لكن إحداهنّ وفقها الله فطنتْ لذلك، قالت: ( لا جدااااال) يا الله! إنه الجدال، لم يكن حوار! كيف لم انتبه لذلك! تذكرتُ قولها يوم أن قالت لي، الجدال يأتيك في مواقف صغيرة خفيّة، كوني فطنة، غفر الله لنا ولهما.
(6)
انتهت الساعات الأخيرة من عرفة، اليوم العظيم، عند الله، ياربّ اجعلنا ممن باهيتَ بهم ملائكتك وكل خلقك، وحان وقت الرحيل لمزدلفة، وكانت الصاعقة الصادمة، لن نذهب لمزدلفة!! عاد الاحتجاج وتعالي الأصوات! أخبرونا بأن مخيمنا في أرض مزدلفة، لكنه يأخذ حُكم مِنى؛ لاتصال المخيمات ببعضها، بين مقتنع ورافض، ظهرت الكثير من صور الفساد، والله المُستعان! في طريقنا لعودتنا لمخيمنا في مزدلفة/منى، كان الموقف مهيب جدًا، حشود كثيرة، كثيرة جدًا جدًا، تقف، تنتظر كل حملة، دورها في المسير نحو القطار، المنظر كفيل بأن يجعلك تتخيل موقف يوم الحشر، مكان كبير، يضم الملايين، فيضيقُ بناظريك! تتخيل بأنّ كل واحد من هؤلاء الحشد، ينتظر دوره؛ حتى يُحاسب. يارب رحماك بنا يوم الحشر الأكبر! لوهلة، تتذكر كل المواقف التي تأخرتْ فيها السيارة التي ستقلّك لمنزلك، و(دقائق) انتظارك، تقارن بين تلك الدقائق، وبين انتظارك هنا لساعات حتى تصل لمكانٍ تنام فيه! يارب ظلمنا أنفسنا، فاغفر لنا وتُب علينا!
يتبع..