عن العازفة وقلبها ، وحكايا لا تنتهي :)
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثيرون هم الذين يدّعون معرفته، وقلّة من يفقهونه . من يدّعيه ، هو لا يعرف منه إلا رَسمه ، ظاهره فقط ، ويظن بأنه لما رأى سطحه ، فقد أدرك لذّته وحلاوته ! أما القلّة الذين نقّبوا عنه ، اجتهدوا وجاهدوا ؛ حتى ينالوه ، ويظفروا به ، فهم الذين أكرمهم الباري بتلك اللّذة الحقّة .
حين تستشعر بأن الله هو حُبّك الأول والأكبر في حياتك ، سترى الدنيا في كل عام لك فيها ، بشكل جديد ، ستعيش الدنيا وكأنك تعيشها لأول مرة . ولأنك أحببته ، فإنه يهبك صفاء البصيرة ، التي تُمكنك بفضله من التقاط كل ما يُرسله لك . كل ما يسخّره لقلبك حتى تنعم بحياة طيّبة . الرسائل التي بينك وبين الله ، هي الحب الحقيقي الذي ما فطن له كثير من خلقِه .
حين تكون فطِنًا، فتعلم أن ما سخّره لك على يد أحد عباده ، لتنعم بما كنت تشتهيه من طعام ، رغم عدم اخبارك لما تشتهيه ، أحد ، فذلك تودد العظيم لك ، حتى تصلك رسالته ، بأنه الودود الذي يعلم حاجات نفسك ، ويقضيها بودّه . يُجري كافة شؤونك من خلال تسخيره عباده لك . سبحانه ما ألطفه ، أكرمه .
حين يمنع عنك ما تُريد ، قد تغضب وتُمزجر في المنع الأول ! لكنك – حتمًا – في الثانية والثالثة ، سيستقرّ في قلبك بأنه القابض الذي يقبض عنك ما لا يصلح لك ، رغم تعلقك بالشيء . ثم يُرضيك الباسط ببسطه وعطاياه ، من حيث لا تحتسب للعطاء حسابًا .
حين تعلم أن ثمة من يتربّص بك ، لو لم تكن تعلم أن الله هو وحده الكافي ، من سيكفيك ، فلن تهنأ بعيشك . ولم تتبع علمك بالكافي بأنه الوكيل ، الذي جعلك توكل إليه كل أمر عجزت عن تدبيره ، وكل أمر كنت تعتقد بأنك بخبرتك وقدرتك أنّك قادر على اتمامه دون الاستعانة به ، يُعرقل لك انجازه ؛ حتى تُدرك بأنه تجاوزته ، وخلَصت بنفسك ! سبحانه المُربي .
في كل قدر يقدّره الله لنا ، هو بمثابة قطعة بناء بيننا وبينه ، ردّة فعلنا وقرارنا ومشاعرنا تجاه ما نمر به وما نعيشه ، وما كُتب لنا ، نحن من نقرر إما بناءً وإعمار ، أو هدمًا ! من يقرر أن يعمر ما بينه وبين الله ، سيعينه الله بإرسال له ما يحتاجه حتى يعلو بناءه ، إلى أن يلقاه ، ولو طال عمر الإنسان ، فلن ينتهي من بناءه ، لكنه من الممكن أن يزيد في شموخه نحو أن يكون صرحًا يحبه الله ، فيزيده من فضله .
من يقرر أن يعمر الودّ بينه وبين الله ، فلن يكون ذلك باليسير ، ستأتيه قطع يلفظُها بالهدم ! في كل استعتاب للقدر ، كان بينه وبين نفسه ، لكن الله العليم ، البصير ، يعلم خائنة الأعين ، وما تُخفي الصدور ، هو بها عليم .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ” – رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
الذي يعمر ودّه مع الله ، يحبّ الله فيه أنه يهدم مرة ويبني مرّات ، والعكس صحيح أيضاً . للإعمار لذّات كُثر ، من بينها ، أنك تُخطئ مرة وتصيب مرة . حين تعود لله مُنيباً ، وقد أخطأت في حقه ، يكون شعورك مختلفاً ، أكثر صدقًا . وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه :
” جَالِسُوا التَّوَّابِينَ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ” – رواه عون بن عبد الله – رواه ابن أبى الدنيا في التوبة
كلنا نصلي ، كلنا نصوم ، كلنا نفعل الصالحات من الأعمال ، بفضله وكرمه ، لكن حين تنوي فعل ما تفعله كل يوم ، بنية اعمار بينك وبين الله ، سيكون وقعه على قلبك مختلفاً ، سيُخالجك شعور بأنك تُصلي لأول مرة ، وتمنع الطعام عن نفسك لأول مرة ، وتتصدق لأول مرة ، ستكون للطاعات معنى أكثر جمالًا ، حين تغيّر نيتك قبل فعلها ، وتعيش تفاصيلها بما يفتح الله لك . تشعر بتفتقّ مكامن جديدة فيك لم تكن مُدركها لولا نية اعمارك هذه ، وتوفيق الله لك أن تنويها أصلاً !
في عُمرة اعمار الودّ بيني وبينه ، ولأول مرة أكرمني الكريم بالجلوس بداخل حِجر إسماعيل ، لم أكن أدعو ، كما كانت الجالسات بجواري ، كان بصري شاخصًا نحو الكعبة ، وقلبي يلهج بذكره وشُكره ، تأملّت ولأول مرة كل ما كُتب في ستار الكعبة ، ورحت أقُلّب الخطوط ببصري من اليمين إلى اليسار ، وكأن في عيني حبرًا يكتب ما كُتب !
( ياحنّان يا منّان ) ، وجدتُها ! كان التأكد من أن اللفظتين المتكررتين على ستار الكعبة من أمتع اللحظات . وحين فككتُ تداخلاتها ، غُصت في معنى رحمة الله في كونه حنّانًا ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا … ) [ مريم – 19 ]، وفي اسمه المنّان ، حين قرأتهما شعرتُ و كأنني أعلم لأول مرة أن الله حنّانًا منّانًا . وإني لأحسبُ تلك التأملات يسيرة الحدوث ، عظيمة المعنى من باب اعمار الود .
الحمد لله القابض على عدم تيسيره لي أن أكون من حجاجه ، الحمد لله الكافي الذي كفاني ماكان يشغلني ولا أملك تدبيره ، الحمد لله الودود الذي يتودد ويعطف ويرحم ، الحمد لله النصير ، الذي نصرني ولا زال ينصرني على أهواء نفسي ، الحمد لله الحفيظ الذي حفظني من سوءات كادت تهوي بس سبيعًا خريفًا ، الحمد لله الجبّار الذي ضمّد ولطف حين قدّر ، الحمد لله الشكور ، الذي يقبل القليل من عباده مقابل كل أفضاله ، الحمد لله الباسط الذي بسط علينا بصحة أبي – “ نوفمبر الرجاء “ ، الحمد له أن عقِب قبضه ، جميل بسطه . الحمد لله المنّان الذي أتمّ على مدونتي خمسة أعوام .
” جزاك الله خيراً “ أقولها لمن وكّلت الوكيل أن يُجازيهم بأكثر مما يستحقونه ، فريق ماس ديراينرز ، المدون محمد ، المدونة مها .
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين فكل الذي فوق التراب تــراب
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات
11.11.2014