عن العازفة وقلبها ، وحكايا لا تنتهي :)
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلمّا يُكرمك المُحسن إياه، ويدلّك عليه، تجد في نفسكَ شيئًا لم تكنهُ من قبل، تجد فيك إنسانًا لم تتوقع أنه يسكنك! لكنه كان ينتظر منك التفاته، التفاته واحدة فقط، مقابل معنى جديد تعيشه، فلما تعيش هذا المعنى، وأنت الذي لمْ تكن له باحثًا، لكن لما أتاكَ، بعد التفاتتكَ الأولى له، تُدرك كم كنتَ بحاجة له، ستكتشفْ بأنّ الجزء المفقود منك، عاد إليك بعدما عشته.
ما قيمتك؟ لم يُحيّر هذا السؤال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، جاءت إجابته، موجزة، وواضحة، وقابلة للتطبيق والتجربة!
قِيمة كلّ امرِئ ما يُحسن
كيف تكون قيمة كل امرئ ما يُحسن؟ أنتْ لما تُحسن أمرًا ما، إحسانك فيه، يقودك لأن تستمرّ فيه، واستمرارك فيما تُحسنه، مهما كان ما تُحسنه ضئيلاً بنظرك، استمرارك وثباتك في ألا يذهب عنك بعيدًا، استمرارك يعني زيادة إحسانك إحسان، كل هذا ينفع على الأقل شخصًا واحدًا! قد يكون هذا الذي انتفع من استمرارك في الذي تُحسنه، من سيصلح أمورًا كثيرة، مِن حولك، عجزتَ أنت لأن تجدَ لها مخرجًا، حينها تُدرك بأنه (كلٌ مُيسّر لما خُلق له) خلقك الله، لتكتشف في نفسك، فيما تُحسنه، ولما تعرفه، تتقرب إلى الذي وهبك، زُلفى، دون أن تشعر بأنك تقترب، فجأة- ولا شيء يحدث فجأة لكننا لا نلتقط الرسائل!- من الله، يحدث كل هذا لما يكون سيرك من الأساس، لِما تُحسنه، على النحو الصحيح، كما يحبّ ربنا ويرضى، والله وتالله وبالله، يُدهشك المولى، بما كان في أيام طفولتك، حُلما تحكيه لأصدقائك، ولما كبرتَ أصبح خيال، ولما نضجتَ، وصدقتَ في السير لما تُحسن، يُصيّره الله واقعًا.
وبعد أن صار واقعًا، يُريكَ الله من نفسكَ بفضلهِ- ما تُحبّ، يشدّ من أزرك بالذي تُحسنه؛ لأنك لن تُحسن أي أمر مهما صغُر، إلا لما تسعى لأن تتعلمه! الله يجعل نفسك تميل لهذا الأمر، ويترك لك القرار في السير نحو ميلك، حتى يصير شغفًا، وقضية تُدافع عنها وتحيا من خلالها، أو أن تتجاهل الميل الذي فطرك الله به!
طريقك الذي تتعلّم فيه ما تُحسن، ليس باليسير، ولا بالمستحيل، الصادق، يجدُ متعة في شقّ طريقه بنفسه، يأخذ من الناس، ما يعينه على إكمال سيره، ويتجاوز كل كلمة قد تجعله يكفّ عن المسير.
الله لما فطر قلبي للكتابة، لم يُملّكني كل ما أحتاجه، كنت أسير لأفهم ما أشعر به تجاه الكلمات، والنصوص التي لا يستطيع فؤادي تجاوزها، ولما فطنتُ للأمر، كانت تلك البداية.. البداية لتعبيد طريق جديد، لم أعلم منه إلا رسمه! وبعد “علميات حفر” طويلة، في الأشياء من حولي، ملّكني الله التعبير! وكان فيه بلائي ونعمتي، شكر وصبر ياربّ. لما تجد من حولك أشياء، وقلبك لا يكفّ أن يحدثك عن تفاصيل التفاصيل، وأنت في حياتكَ لاهٍ، مُنشغل، ونسيت الذي وجدتَ فيه نعمتكَ وبلاءك، هو نعمة، لأنّ الله ملّكك إياه دون أن تسأله؛ لعلمه بحاجة فؤادك له قبل أن تنضج، لكن لما تنضج، تشعر بأن كائنًا فيك، استيقظ فجأة! وهو بلاء؛ لأنه عليك إخراج زكاته، زكاة ما تُحسنه، نفع الناس به.
لا أجيد الكتابة عن الأمور السياسية، لا أجيد الخوض في الأمور الاقتصادية، لكنّه مكنني بفضلهِ وكرمه، في جوانب أخرى، تُصلح أجزاء أخرى، وفي هذا تعلمتُ درسًا مهمًا: حتى ما يُحسنه المرء، يجد في الأمر عينه، أجزاء هنا وهُناك، لا يجيدها، لكن يكفيكَ من البستان، بذرة، تُحسن اعتناءك بها، خيرًا من جمع البذور، فتسقط واحدة تلو الأخرى.
في مثل هذا اليوم في العام الماضي، كتبتُ: “الحمد لله القابض على عدم تيسيره لي أن أكون من حجاجه”، وفي هذا العام، أقول: ” الحمد لله الحكيم، الباسط، الرؤوف، العليم، الخبير، أن يسّر لي حجّة جَعلها الله مبرورة” الحمدُ لله الذي أتمّ على مدونتي ستةِ أعوام، يارب اغفر قصور الكلمات، وخطئها وزللها. ربّ أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مُخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
11.11.2015