على جٓناح . .

بواسطة إيناس مليباري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مراقي

سألتني : ماهو مشروعك الرمضاني لهذا العام ؟ أجبتها : لا أدري ، أشعر أنه لن يكون لدي مشروع أعمل عليه يستحق النشر ! كنتُ أدعو الله أن يُلهمني ، يُهيىء لي من أمري رشداً ، حتى قررتُ التطوع في أي مركز صيفي ، أشياء كثيرة كنتُ أجهلها ، لكن أمر واحد متيقنة منه ، هو علم الله بصدق النية فجاءتني معونته بما كنتُ أتوق له من سنين طويلة ، العمل في نادي مراقي للفتيات .

منذ أول اجتماع شعرتُ أني متورطة ! أذناي وقلبي الوجِل لم يعتادوا على سماع كلمات شديدة الوقع ، تجعل صاحب الهمة يتقهقر للوراء ، ويعيد حسابات أموره ، نواياه وصغار أفعاله ، يعيد ترتيب أولويات حياته . تحدثتْ أ.عفاف عن أمور بل حقائق مخيفة ، وسط انشغالي بما أسمعه ، وبين الخوف الذي يحوّط بي ، حدّثتنا عن فِرار أحدهم من تولي الخلافة فعلموا أن فيه خيراً ؛ لمخافته ! حيث كانوا يعدّون فراره مؤشر خير في قلبه ! فخفتُ أكثر ..
لم يتبّق إلا أيام قليلة ويبدأ النادي ، النادي الذي رغبتُ في العمل فيه منذ أن كنت في سنواتي الأولى في الجامعة ، النادي الذي كنتُ أرى شعاره ويعجبني صنيع من تعمل من الفتيات خلفه .
في التاسع من شعبان ، انهالت الفتيات في فصلي ، لوهلة شعرتُ أني معلمة لأول مرّة ، لا أدري كيف طوى الله الأسبوع الأول منه ، حيث كان مليئاً بالضغوطات التي تجعلني أتيقن أن تيسيره لأن انضم لعضوات النادي هو تربية لي لذنب ارتكبته ، كنتُ أطلبه الغفران ، كنتُ أخبره أني لا أستطيع تحمل ما أواجهه ، رغم كل ذلك ، كنت لا أرغب في الانسحاب ، رغم تعالي أصوات من حولي ، كان صوتا بعيدا يخبرني أنّ لله رحمات يُرسلها في أمور لا يرغب بها العبد .
في أسبوعي الأول عشتُ وقلبي معنى أن يعمل الإنسان شيئاً وهو مُكرهاً على عمله ، تعلمتُ من شعوري هذا كيف يوازن الإنسان بين شعوره بأنه مُكرٓه وبين إخلاصه لما يعمل ولو كان مُكرهاً .
في أسبوعنا الثاني ، بدت الأمور أفضل حالاً من سابقه ، وشعور يلازمني منذ أن بدأ النادي ، وكلمة أ. دلال قرنفلة قبل بدء النادي ، حين قالت لنا للمعلمات المستجدات في النادي أن الله اصطفانا دون خلقه .. لازلت أخشى من اختيار الله لي لأن أكون في مكاني هذا ، وليقيني أن لله حكمة في كل ما يحصل لي من خير ، يفسّره قلبي بأنه شر أو قريب منه ، تلك الحكمة الإلهية انتظرها ، وفي انتظاري لها ، كنت أشعر بثبات قلبي .
كنتُ أعدّ الأيام عداً حتى تنقضي أيام العمل المُضنية ، لم أكن أفهم عبارة قالتها إحدى المعلمات التي قضت سنين طويلة تعمل في النادي حين أخبرتنا المديرة بأنه لم يتبق إلا القليل ونرتاح من كل ما نمرّ به ، كان ردّ تلك المعلمة مُستهجناً بالنسبة لي في ذلك الوقت حين قالت : ” احنا راحتنا في مراقي ” ظننتُ أنها تبالغ آنذاك ولم أكن أعلم بأن الله سيجعلني أتذكر مقولتها وأقول : صدقتِ وربّك !
وانقضى الأسبوع الثالث ، ولازلتُ انتظر شيئاً أجهله ، لكنّي أشعر به ، حتى اجتمعتْ بنا أ. دلال في آخر يوم لنا في النادي ، أخبرتنا أن جهاد كل واحدة منّا وسعيها الحثيث نحو أن تُتٓمّم عملها بإحسان صورة عند الله لن يضيّع ، وسترى حصاد أفعالها في أول يوم من رمضان ، سيبشّرها الله ولا ريب بمنزلتها في الجنة ، كانت تتحدث بيقين وتكرر شيئاً واحداً ، كانت تقول : أنا أثق بالكريم ، من تثق بالكريم ، فلن يخذلها الكريم ، الله يُدهِش بعطائه ، حتى ليجعلكِ تصمتين تعجبًا لإجابته لما كنتِ ترجيه ، فقط ثقي بالكريم ً، وإني والله لأثق بأن عملكم في النادي ليُكافئكم الله عليه بطريقته . أخبرتنا أن نطلب الله أغلى أمنية في قلوبنا بهذا العمل والكريم الذي نثق به سيُكرمنا به .
تيقّنتُ أنّ لله تدابير خفيّة في تقديره لعباده أقدار قد يظنون أن حدوثها في حياتهم يعدّ من أكبر الكوارث ، يمتحنُ الله سريرة العبد ، ويمتحن صدق استعانته به ، فإذا أفلح في كلّ ما مرّ به ولم يكن راغبًا به ، منحه حُسن العاقبة ، تلك العاقبة الحسنة التي تلي أمور كانت عسيرة ، يمنحها الله لكل عبد قد اجتاز قدره كما يحبّ مولاهُ ويرضى كما قال الشيخ عبد العزيز الطريفي .  
تيقّنتُ أن استخارة العبد في شأنٍ حار في أمره ، ثم سهّل الله له السُبل وسخّر الأشياء من حوله لأن يتمّ موضوعه الذي هو حائر به ، ثم حدوث أمور تزعجه في باطن الأمر الكبير الذي سهل الله له حدوثه ، لا يعني أنّ ذلك الأمر شراً ، كما قالت إحداهن – لا أعرف اسمها – في إحدى ورش معرض بريق الضادّ ، أخبرتنا باستغراب نساء كُثر بطلاقهنّ بعد استخارتهنّ وشعورهنّ بالراحة ، إضافة إلى تيسير الأمور العِظام ، ثم يحدث الطلاق ، فأين الخيرة فما حدث لها ؟ تقول – حفظها الله – أن الله يعلم بأحوال قلب كل عبد من عباده ، يعلم أن فُلان الفقر أنفع له ، وآخر يصلح الغنى له ، وتلك بحاجة للطلاق لتلمس أمور لم تكن مُدرِكتها لولا قدر الطلاق ، الله وحده يعلم ما الأنفع والأصلح لتلك التي تظنّ أنها خُذلت حتى بعد استخارتهنّ . كنتُ أتذكر كل ذلك ، فيبثّ الله في قلبي الطمأنينة .
تلمّستُ تربية الله لي في مواطن كثيرة ، كنتُ أجدها في بكاء طفلة ، وفي تعليق مُشرفة ، وفي شعور دفين شاء الله أن أخوضه وأتعلم كيف أروّضه ..
رأيتُ معنى أن يكون المؤمن قويّ بإخوانه ، تلك الأخوّة التي شعرتُ بها في مدّة قصيرة جداً ، رأيتُ أشياء كثيرة هي في ديننا ، لكنني قلّما كنتُ أجد تطبيق الناس لها ، علمتُ أن الله اصطفاهنّ دون خلقه ليكنّ الحاملات لشعار هذا النادي الذي يُطبّق أشياء جميلة باسم الدين ؛ لأن الله علم أن في قلوبهنّ خيراً ، تذكرتُ حديث أ. لينة حين قالت : ما دُمنا أننا نعمل باسم الدين ، فو الله لن يُضيّعنا أبداً . أجد إحاطة الله لهنّ برحماته ، بألطافه ، يُدهشهنّ بعطاياه وبتيسيره لأمور يحتاجها النادي وكنّ يقطعن يأس الشيطان بثقتهنّ بالكريم ، فكان حقّ على الكريم أن يُكرمهم .
شكراً لكل أخواتي اللاتي كانت اللقيا بهنّ والعمل معهنّ تجعل قلبي يحلّق على جناح أجهل تسميته لكنه جناح متين ، يحرّكه الله كيفما شاء لقلبي أن يوجهه ، كما كان يُسكن الريح في البحرِ فتظل السفن رواكد على ظهره ، فإنه كلما كان يُسكن شيئاً في قلبي ، فإنه يُحرّك شيئاً آخر حتى لا يظل راكدًا ، أنتنّ الصحبة الصالحة التي أوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاستكثار منهم ، لا أزكيكنّ على الله ، جزى الله صنيعكن خير الجزاء ، وأدخلكن الفردوس من أي باب رغبتنّ ، وجعلني برفقتكن السنوات القادمة . والحمد لله لذي بنعمته تتم الصالحات .

You may also like

2 تعليقات

لينة محروقي 28 يونيو 2014 - 4:55 م

دامت عطايا الكريم لك يا حبيبة ❤️
ودام قلبك واعيًا بتربية الله له، مستأنسًا به ❤️
.. ونحن أيضا نعدُّك صحبة صالحة ❤️

Reply
إيناس مليباري 27 أغسطس 2014 - 9:42 م

أدام الله حبل الأخوة والصداق حياً في الفؤاد ياخير صُحبة :””)

Reply

اترك تعليقا