الرئيسية كَوبُ حَيـاة الحُسنُ في المليبار

الحُسنُ في المليبار

بواسطة إيناس مليباري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان ذلك منذ سنين مضت ، حين سألتني مُستَفهمة : ” من وين بترجعوا ؟ ” بعد أن جهلت أصول مليباري  ، تولّت صديقتي التي تُشاركني أصول الانتماء للهند الإجابة فأخبرتها بأن كلتانا هنديتا الأصل . . فكانت الصاعقة لتلك المسكينة !فاستفهمتْ مرة أخرى : يعني انتو تعبدوا البقر ؟ فانفجر الكلاس بكل مافيه ضاحكاً . وحقيقةً لم تكن الأستاذة الأردنية تسخر لكنها لم تتخيل كيف أن هنديةً قابعة أمامها دون أن يتبعها إلهها البقر – جل سُبحانه  – ساعدتني بقية الطالبات حتى نصل لاستيعاب تلك الأستاذة ونخبرها بأن الطالبة إيناس مليباري ما هي إلا هندية ” بالاسم ” !

أهدتني صديقتي بيان مقالاً جميلاً ومطولاً بعض الشيء يتحدث عن الهند وبشكل خاص عن المليبار ، جمعتُه مع قليل بحث من جوجل العزيز وأتيتُ لكم بثمرة هذا وذاك هُنا لتستمتعوا بالنكهة المليبارية الأصيلة. كما تجدرُ الإشارة على أني سأستخدم (نا) الفاعلين عند الحديث عنها فهذا يُشعرني بالانتماء أكثر : )

تُعرف المليبار الآن بولاية كيرلا والتي تقع على الساحل الجنوبي للقارة الهندية . حقيقة وحتى أكون نزيهة فيما أكتب ، كنتُ أشعر بالحب الشديد لكيرلا قبل أن أعلم بأن أصولي منها ، فطبيعتها التي تجلّت في الأشجار والشلالات تجذبك على أن تنصهر حُباً فيها  ، أنوّه على أني سعيدة جداً وأنا أدون هذا : )

لدينا لغة تُميزنا عن البقية وهي اللغة المليبارية أو الماليالام ، وإن حدث وسمعتَ أحدهم يتحدث بها فستجد بأنها تحوي بعض المفردات العربية ، وفي هذا الشأن يقول أ. أبو بكر محمد بخصوص تأثير اللغة العربية على المليبار :

اتخذ تأثير اللغة العربية على مليبار نواحي ثلاثة . أولاً : انتشار اللغة العربية في البلاد انتشاراً واسعاً بحيث تبحر فيها عدد غير قليل من المليباريين وحرروا فيها مقالات ونظموا فيها أشعاراً ، بل ووضعوا فيها كُتباً في مختلف فنون العلم والمعرفة . ثانياً : ظهور لغة جديدة تكتب بحروف عربية وتنطق باللغة المليبارية . ثالثاً : دخول كلمات عربية عديدة في مفردات اللغة المليبارية .

وإذا ما سألت عن كيفية دخول اللغة العربية إلينا – كيرلا- بشكل خاص ، فيقول الدكتور إي.ك. أحمد كتي :

بدأت اللغة العربية تُثبت أقدامها في مليبار منذ قدوم الإسلام ، وقد ساعد على انتشار اللغة أن العرب الدُعاة أو التجار الذين استوطنوا في مليبار تزوجوا من بناتها ، ثم تتابعتْ موجات الاستيطان العربي في مليبار والتزوج من بناتها . وما تزال هنا في مليبار أُسر عربية استوطنت فيها  . مثل أسرة بافقيه وآل مخدوم .

فيُمكننا القول بأن عند دخول الإسلام  إلينا – للمليبار- تبرعمتْ اللغة العربية وإن كانت هُناك بوادر من بعض التجار المليباريين لتعلّم هذه اللغة قبل الإسلام بهدف التفاهم مع العرب في الشؤون التجارية .

وعن زراعتنا اُشتهرنا بزراعة الشاي – وهذا ما يعلل تعلّقي به – ورغم أننا نزرع جوز الهند الذي يعشقهُ أبي إلا أنني لا استسيغه . وبشأن أعراسهم كنتُ أجد في بعض الأفلام الهندية بأن العروس هي من تقوم بخطبة العريس وتتكفل بما يتكفله العريس لدينا هنا ! ولكن نجَت أعراسُنا من هذه الأفكار إذ تقول المصادر بأن أهل العريس هم من يتطقسون بيت العروس خصوصاً قبل الزفاف بعدة أيام بهدف التعرف على العروس أكثر : )

وعن علاقة العرب بالمليبار ، فيقول شمس الله قادري :

كان العرب يأتون إلى مليبار قبلَ حملات الإسكندر الكبير ، وكان أهلُ مليبار – قبل الجميع – قد وصلوا إلى السّواحل العربية الجنوبية عن طريق البحر الفارسي ، ومن هُناك كان التجّار العرب يعبرون أراضي اليمن والحِجاز يحملون السلع التجارية ليصلوا بها إلى تدمر والإسكندرية في مصر . وكان التجّار اليُونانيون يأخذون تلك البضائع إلى بلادهم . وكان تجار العرب يتبادلون التجارة مع المليباريين دونما واسطة . وأخيراً فإنّك ترى أكثر الأشجار من مليبار مزروعة في ظفار العمانية وضواحيها .

ولقد نظم الأديب عبد الله حمد الشبانة قصيدة مطولة عن المليبار عنونها بـ ( الحُسنُ في المليبار )  بعد زيارته لها ، أقتبسُ لكم منها بعضها :

إذ ترى العين غير ما كان يُحكى
ليس كالسمع ما تـــرى الأبصـار
آية الله فـي ربــاها تجلَّـت
كل شيءٍ بها عـلاه اخضـرار
إنها غابـة طـويل مــداها
قد تدانـت والتفّـت الأشجــار
ليس يدرى عن حسنها غير من قد
جـاءهـا فانتهـت به الأسفــار
وقـرود بجانب الفيـل تمشـي
والنوافـــــــير والميـــاه الغــزار
بيـن نبـع وبيـن نهــر كبيـر
قـد جـرى فهـو دافـق هــدَّار
حين يدري الجميع عن “مليبار
أنَّهــا ليـس مثلهـا الأمصــار

مناظر من مدينتنا كيرلا :

 

بعد هذا كله لكَم أشتاق لأن أحظى بزيارة لهناك : )

شكراً لكل من يحبّ الهند ويقدّر جهودهم

إيناس مليباري

* النصوص المقتبسة من مقال العرب واللغة العربية في مليبار من مجلة القافلة جمادى الثاني 1420 هـ
* عنوان التدوينة مقبتس من قصيدة الأديب : عبد الله حمد الشبّانة


You may also like

4 تعليقات

محمد مليباري 2 يونيو 2012 - 11:47 ص

مقال رائع و ثري بمعلومات شيقة لأول مرة أطلع عليها ، من الجميل أن يعرف الإنسان الكثير عن جذوره حيث أنها في النهاية تنعكس بشكل أو بآخر على مكنوناته ..

ما أردت إضافته يرتبط بما ذكرته أستاذتكم الموقرة عن عبادة البقر و لا أحملها حرجا في ذلك فالتلفاز له تاثير على ثقافة المرء لا سيما و أنه أقوى سهام الغزو الفكري ..

فالهند بلد حضارته معقدة لذا تسمى ( بشبه القارة الهندية ) وهي ثاني أقدم حضارة في العالم و سابع أكبر بلد من ناحية المساحة و الثانية من ناحية عدد السكان كل ذلك جعلها نسيج غير متجانس من الحضارات و الديانات و اللغات فالهند بها أكثر من 7 ديانات و يتحدث أهلها أكثر من 12 لغة .

أعود لأستاذتك الفاضلة لأخبرها بأن جميع العوالم كانت تعبد غير الله قبل ظهور نور الإسلام و قد انتشر الإسلام بالهند عن طريق “مليبار” بحكم أنها المدينة الساحلية و الميناء الرئيسي للهند و تم ذلك في عهد عمر رضي الله عنه حيث أرسل موافيده لهناك بقيادة مالك بن دينار *(1) .

نهايةً أذكر بأن اسلافنا اهتموا كثيراً بتعليم القرآن و حفظه فأكبر مدرسة إسلامية في الهند تقع في مليبار إضافة لكون من قدموا لمكة إما لغرض الحج أو التجارة قد افتتحوا مدرسة إسلامية تعنى بتحفيظ القرآن وعمرها الآن أكثر من 90 عاماً حيث أنه في ذلك الحين (قبل العهد السعودي المبارك) لم تكن هناك مدارس حكومية ولا زالت تعمل حتى يومنا هذا*(2) .

_____________
(1) – لمن أراد الاستفاضة – موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 8 /260
(2) – http://www.makkawi.com/Articles/Show.aspx?ID=70

Reply
basheer 3 يونيو 2012 - 2:02 م

الخضرة والطبيعة أراها في هذه المدينة المليبارية وهنا في هذه المدونة المليبارية أرى خضرة الثقافة والعلم 🙂

جميل جدا ان نقرأ التاريخ ونبحر من خلاله والجميل ايضا اننا رغم اختلاف اماكننا وجنسياتنا الا اننا كعرب يجمعنا الدين واللغة.

دمت بكل خير

Reply
إيناس مليباري 7 يونيو 2012 - 1:42 م

محمد ؛
تضمن المقال الذي اقتبستُ منه تدوينتي أسماء الديانات المنتشرة في الهند
بحق هناك أسماء لم أكن أعلم بها من قبل ! تذكرتُ هذا حين ذكرتَ بوجود
أكثر من ديانة هناك : )

الآن أدركتُ لما ينسبون مالك بن دينار للهند دائماً ! شكراً لغزارة حضورك أخي : )
يسعدني تواجدك () ()

بشير ؛
جُبلت النفس البشرية على حبّ الخضرة : ) فسبحان من صورها بهذا الشكل : )
ومرحباَ بك أيها البشير دائماً ،

Reply
فتاة الهند - أفنان محمد المليباري 1 ديسمبر 2016 - 6:43 م

موضوع جميل جدا ورائع . .
الشعور لا يوصف عندما تضعين قدميك على راحة مليبار ):

Reply

اترك تعليقا