نفيٌ مبتور !

بواسطة إيناس مليباري

السّــلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المُربِّي: لا ترمِ الورَقةَ في الأرض.

الطِّفل: (ألْقَى الورَقةَ في الأرض).

المُربِّي: بما أنَّك لم تَسمعْ ما أمرتُكَ به، فلن أصطحبَك معي اليوم، والآن عليك ألاَّ تجلس على هذه الأريكة.

الطِّفل: (جلس على الأريكة).

المُربِّي: حسنًا، ولن تُلبَّى احتياجاتك لمدَّة أسبوع.

إذا ما طُلب مِن أحدهم تفسيرُ سلوك هذا الطِّفل، فأعتقِد جازمًا بأنَّ الكثير سَيؤمِن بأنَّه عنيد، ويحتَاج لكَمٍّ هائل مِن العِقاب؛ لِيحترمَ الأوامِر.

حسنًا، نَحن – النَّاضجين – كيف نَستقبل الأوامِر؟ فور تَلقينا لأيِّ أمر نسارع بقول: لماذا؟ بمعنى آخر: نستَعجل لمعرفة سَبب الأمْر، لِمَ نفعَله، أو نَمتَنع عنه؟

فمثَلاً: عندما يَمرَض شخصٌ ما، ويفحصه الطَّبيب، ومِن ثَمَّ يُخبره عن مَرضه، فيُسارع المريض بالاستفسار عن سبب مَرضِه، وإذا منعه الطَّبيب مِن نوعٍ معيَّن من المَأكولات، فحتمًا سيُصبح مُطيعًا؛ لأنَّه أدرك السَّبب، وبأنَّ تناوله لهذا الطَّعام سيَزيد ألَمَه؛ لذلك ابتعد عنه بِرِضًا واقتِناع.

لنُصغِّر الأمُور حتَّى تكون مُلائِمة لحجم الطِّفل، ولْنَرَ كيف تَبدو الأمور مِن وجهة نظره.

عندما يُقال له: لا تَرمِ الورقة في الأرض، سيعقُب القَولَ فِعلُ عَكس القول، لماذَا؟ لأنَّ النَّفي لم يعقبه تَصحيحُ السُّلوك، وبالتالي فإنَّه – الطِّفل – بات مُضْطرًّا لأن يكون “لا يسمع الكلام”؛ لأنَّه – وبكل “بساطة” – جَهِل الصَّواب وأدركَ الأَمر الهَائم بلا إرشَاد.

فالأصحُّ هو قول: لا تَرمِ الورقة في الأَرض، ارمِها فِي السَّلة ، وهذا مِن شأنه أن يُكسِب الطِّفل تغذيةً راجعة، ففي المُستقبل، سيرمِي مُخلَّفاته بدون أوامِر؛ لأنَّه عَلِم الصَّواب.

وما سبق مُقتَبسٌ مِن هَدي التَّربية المُحمَّديَّة، فقد كَان – صلَّى الله عليه وسلَّم – خيرَ مُربٍّ للبَشرية أجْمَع، وقد كَان يُخبرنا – بأفعاله وأقواله – بالكيفيَّة الصَّحيحة للتَّعامُل مع الأطفال، حتى ينشَأَ لنا جيلٌ سَليم الجَوهَر.

أَخَذ الحَسَنُ بن عَليٍّ تمرَةً مِن تمرات الصَّدقَة، فجَعلها في فِيه، فقال لَه الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كخْ كخْ، ارمِ بها، أما عَلِمتَ أنَّا لا نأكُل الصَّدقة؟!)).

عَقَّب النَّفي بإعطاء مُبرِّر، وهو مَا يَجعل الطِّفلَ يتجنَّب ما كان عازمًا على فِعْله.

نهايةً: قيل: الأطفَال يَجهَلون، لكنَّهم يتعلَّمون، ومِن هذا المُنطَلق، علينا إعادة النَّظر في كيفية إصدارنا لكلمات النَّفي المُقدَّمة لهم، وأن نَحرِص ألاَّ تكون طَلباتُنا لهم مبتورة.

فكثيرًا ما نُعامل الأطفَال – من غير وعي منَّا – على أنَّهم واعون مُدركون للصَّواب والخَطأ؛ لذلك اعتادتْ “أفواهنا” أن تتلفَّظ بإصدار الأمر، ظَانِّين بأنَّه إنسانٌ بالِغ!

زاوية ، ـ

مقال نفي مبتور ، نُشر مؤخراً على الألوكة كما أخبروني بأنّهم قد صمموا ونشروا بانر إعلاني له ، فسملتْ أناملهم وشُكراً لكل الفرح الذي جاءوني به : )

البانر :

You may also like

9 تعليقات

المقداد 26 نوفمبر 2010 - 8:24 ص

كلام سليم 100% .. ويجب علينا الانتباه لكلماتنا التي نقولها للأطفال

هذا شيء مهم جداً أختي .. فأنت تبعد الطفل عن الطريق السيء , لكن لما لا تضيف وترشده للطريق السليم

كما يحدث عند البعض من الدعاة فيقول للشخص لا تفعل كذا فإن هذا محرم , ولكن لم يعطيه البديل

الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً يرشدنا للبديل السليم والأسباب المقنعة

فإن قال للحسن لا تأكل , فلن يأكلها .. لكن في مرة اخرى ربما يأكلها ,, لكنه قال له السبب

::

كثيراً ما زرت الألوكة .. يبدو انها شبكة اسلامية مميزة ,,

رأيت مقالك فيها ..

شكراً لك 🙂

Reply
الياسمينهـ ✿ 26 نوفمبر 2010 - 10:59 ص

كانت لدي سياسة اتبعها مع اخواني بأن أخاطبهم بأسلوبهم الطفولي البرئ
واحيانا أخاطبهم وكأنهم كبار واشرح واعلل و .. و ..
فلاحظت ان اسلوبي الثاني يعجبهم لاني خاطبت عقولهم التي تحاول التعلم واستقبال كل شي في الحياة

شكرا لك غاليتي وسأظل متابعة لكل جديدك 🙂

Reply
bsheir 26 نوفمبر 2010 - 9:57 م

صدقتي يا ايناس

لا بد من اعطاء السبب بعد النفي لتوضيح النفي فيتلقى الطفل الأمر و يعرف كيف يتصرف و يبقى الأمر
مع السبب في ذهنه.

كثير من يجهلون هذا الاسلوب و ان رأى احدهم طفلا يلقي شيئا على الأرض يبدأ بتوبيخه دون توضيح او اعطاء بديل للطفل و هذا الأمر يزيد من عناد الطفل و لا يصل بهذه الحاله بأي نتيجة مع الطفل.

شكرا لك يا ايناس 🙂

Reply
إينـاس مليبـاري 29 نوفمبر 2010 - 9:41 م

المقداد ;
كما أسلفتَ عزيزي ، من المهم توضيح البدائل والمقترحات
بشأن الفعل المُستهجن ! ، فلا يزال فِكر الطفل ضيق الأُفق
ما لم نُساعده لأن يتوسع ويتضخم ، نحنُ الكبار بحاجة أيضاً
لذلك كما ذكرتَ بشأن الأمورالشرعية !
شكراً لحضورك : )

الياسمينة ;
يحتاج الطفل لأن يشعر بأنه يعيش بمرحلته العمرية ، فالتوازن
أمر حتمي في كل شؤون حياتنا يا صديقتي : )
إن كنتِ من المهتمين بالتربية فأنصحكِ بكتاب ( الأطفال من الجنة )
لجون جراي ، مُتعة حقيقة وفوائد عظيمة جداً : )
ومرحباً بكِ صديقتي وكل سمفونيتي لكِ : )

بشير ;
ونفسره يابشير بأن الطفل عنيد جداً ، جاهلين بأنه كائن حسي صغير
لا يُدرك معنى الأشياء إن لم نأخذ بيده ونساعده !
شُكراً لك : ) ولحضورك الذي يُبهجني دوماً : )

Reply
عالمك بعيوني 30 نوفمبر 2010 - 8:39 ص

السلام عليكم

ايناسووهـ هلا وغلا رجعت لمدونتك الرائعة واسلوبك الشيق

يعجبني هنا في هذه المدونة اسلوبك ورقي قلمك

الاطفال عالم غريب بمجرد دخولك له سوف تجد اشياء غريبة واخرى عجيبة فالطفل يريد في بدايته تقليد الكبار ومن ثم لابد من التعامل معه على اساس انه كبير وغيرها من الامور المعقدة

فالاخ غير الابن وهكذا في التعامل
فلكل قرابة تعامل خاص بها

Reply
أم درة(نقوش في الذاكرة) 1 ديسمبر 2010 - 5:02 م

أضفت للتو مدونتك كصديقة لمدونتي الفتية..وها أنذا أقرأ أول مقال لك..وأجد فيه مزيجا من الإقتضاب الجيد..الذي لايخل بالمعنى..والتركيز الهادف على إيصال الرسالة ..بأقصر الطرق..في قالب راق..وأسلوب ماتع..وأجمل صبغة اصطبغ بها مقالك الجميل..هي الصبغة المحمدية..فما أروع تعزيزنا للدورات السلوكية التربوية المقدمة للمربين..بالشواهد النبوية العظيمة وما أغزرها في السيرة العطرة..فلسنا بحاجة لبحث شاق مضن كي نذكر حديثا أو حادثة نستدل بها على معنى أو قيمة تربوية نريد إيصالها للمربي ..بل هي أكثر من أن تحصر..
بورك مدادك..ونفع الله بقلمك أمتنا..

Reply
شخص 7 ديسمبر 2010 - 4:15 م

التربية علم إذن .. وما أجهلنا .. اللهم أعنا على تربيتهم .

Reply
طارق 11 ديسمبر 2010 - 12:13 ص

أجمل كلمة سمعتها هي : الطفل عبارة عن رجل / أمرأة لكن بحجم صغير
فعلا ً لو ناقشت ِ / كلمت ِ طفل ما (بالتأكيد فعلت ِ ! )
للاحظت ِ أنه يتحدث بشكل واعي , لكن بألفاظ بسيطة ,,,, كون مفرداته التي يملكها قليلة

—————
الأخت ياسمينة طرحت نقطة جميلة
و هي التعمل مع الأطفال على أنهم كبار , فهل تأيديني هذا ؟

Reply
إينـاس مليبـاري 30 ديسمبر 2010 - 6:59 م

عالمك بعيوني ;
وأهلاً بكِ أكثرُ وأكبر : )
وهم كذلك ، نحنُ من نقرر كيف يكونون فقط بتمكننا من
تحديد استراتيجات تُلائمهم !
ومرحباً لِ عودتك ( )

أم درّة ;
ودوماً ما أسألهُ أن يجعلنا عند جميل ظُنونكم وأكثر : )
وعمّا ذكرتِ بشأن التربية المحمّدية ففيها الخيرُ الكثير
والوفير ، وحادثة واحدة من عصره – عليه الصّلاة والسلام –
تُغنيكِ عن ألفِ صفحة من كتاب حديث !
شُكراً لثقتك : )

شخص ;
التربية مُتعة مُحاطة بالعناء ، فلا متعة إلا ويتخللها شيء
من التعب .
واللهم امين لمَ دعوتَ به : )

طارق ;
أهلاً بعودتك : )
بشأن ما ذكرتَ ( الطفل عبارة عن رجل بحجم صغير )
أؤمن بأن : بداخل كل رجل / امرأة طفل صغير : )

هل نُعامل الأطفال على أنهم كبار ؟
قاعدة عامة وهي أنه لا بد من أن تُعطى كل مرحلة
حقها من العيش ، فلا نكلّف الطفل بمسؤوليات تفوق
عمره مما يجعله يفقد معنى طفولته .
أذكرُ بأن صديقتي كثيراً ما كانت تُخبرني بمدى استيائها
من طريقة تعامل الكثير لابنها ذو السنتين ، حيث أنهم يتعاملون
معه بالصراخ وربما الكلام الطفولي فتخبرهم مراراً وتكراراً بأنه
إنسان ويفهم إذا ما تمت محادثته كإنسان لديه عقل ..
وبالفعل أجدها تطلب منه أن ينتظرها إلى أن تنهي مكالمتها
وستعطيه ما يريد .. يبكي قليلاً ثم يصمت !
ليس لأنه راشد ويفهم ، بل لأنه انسان ومن حقه أن يٌعامل
حسب عمره
ومرحباً بك : )

Reply

اترك تعليقا