فوضى مُنظّمة !
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثمّة أشياء يُقدّرها الله لنا ، في حياتِنا ، في طفولتنا ، بينما يُؤخّر حدوث أمور أُخرى ، في كِبرنا ؛ لأنه وحده – جلّ شأنه – يعلمَ بأن حدوث ذلك الأمر في كِبرنا سيكون شاقاً ، عسير الاستيعاب على مداركنا ، بينما هو يسير الحدوث في صغرنا ، يحدث كما أنه لم يحدث ، بينما نحنُ مشغولون بلعبة ” الغُميضة ” .
وعلى النقيض ، حدوث بعض الأمور الكبيرة ، والتي نصِفها بالمصائب العِظام ، حين نبلغ ؛ إنه – جلّ شأنه – أجّلها لحين اكتمال مشاعرنا ، ونُضج قلوبنا ، أجّلها لحين استغنائنا عن لعبة الغُميضة ، أجّلها لحين نكون قادرين على ترويض ما نشعر به من سوء وفرح ، مهما بلغ ؛ لأننا مؤمنين أولاً ، ومُسلمين ثانياً .
الله يُحبّنا ، والذي لا يجد حُب المولى في حياته ، كلّ ما عليه فعله ، هو أن يتوقّف هنيهة ، وينظر للوَراء ، خُطوة واحدة فقط ، آخر ما حدث له البارحة ، ويُقارن ما حدث بالسوء الذي كان من الممكن أن يحدث ، وإن كان ما حدث سيئاً فليتصور حدوث الأسوأ ، وليبحث عن الحكمة من حدوث هذا الأمر المهم من حياته ، واختفائه أو عدم تحققه بالطريقة التي يرغبها . قد تغيب الحكمة وتظل رحمة الله تحفّنا . إذا لم تحصل على جوابٍ يرضيك ، ستأتيك به الأيام وإن طالت .
صديقتي المُغتربة ، حدّثتني عن أمورٍ متفرّقة ، اجتماعها في آنٍ واحد ، أقصم ظهرها ، وأوهَن عزمها ، في اليوم التالي ، أخبرتني بأنّها مُمتنة لله ، رغم كل ما حدث ، وكل ما تشعر به من سوء . صديقتي تعلم جيداً بأن الله يحبها ، ولأنّي أعلم بأنها كذلك ، فإنني في الغالب لا أخشى عليها من تقلبات الزمان .
موسى عليه السلام ، حين أتت مشيئة الله فوق كلّ مشيئة ، عظُم الأمر على قلبه ، هوّن الله عليه بقوله تعالى : ( فاصبِر لحكم ربك فإنّك بأعيُننا ) . حين يسخّر الله للحزين من يسعده ، وللوحيد من يُؤنسه . وللمكروب من يفّك كربه . كل هذه الأشكال من المواساة ، كفيلة بأن تكون العين ( أعيُننا ) وليستْ عينان فقط .
إنني أتخيل (فإنّك بأعيُننا ) كإنسانٍ ماثل أمامي ، أمام حُزني ، أمام كَربي ، رغم أني لا أدري ما هي ملامح هذا الإنسان ، لكن وُجوده مُريح جداً ، تنبعثُ منه الريح الطيبة ، التي تُخبر كل من يُخالطه بألا شيء يدوم ، فهوّن عليك .
حين ينفضّ الناس من حولك ، حين تظنّ بأنك وحيداً وحيداً ، حين تتكالب عليك الحياة ، فيكون الفرح عنك قصّيا ، والحُزن دنيّا ، استحضِر (فإنّك بأعيُننا ) استشعِرها بملء قلبك وفؤادك . ستجدُ بأنه بإمكانك الوقوف . ستجدُ بأن (فإنّك بأعيُننا) العُكّاز الذي يُهيئه الله لقلبك الذي يُعاني الأمرّيَن .
الله يُحبنا ، لكننا – و”لكن” هُنا لا تنفي ما ثَبُت قبلها – نحزن ، نبكي .. حُبّه لنا يقوّم اعوجاج قلوبنا وصلابتها ، إنه يُرسل الدمع إلى أعيُينا ، في الوقت الذي تحتاج فيه قلوبنا للبكاء ، ويحبسُه حين نحتاج لأن نكون أقوياء . مؤمنين أكثر .
من يعلم بأن الله يُحبه ، ويكون علمه هذا بتطبيقٍ في حياته ، فيحمد الله على الضرّاء قبل السرّاء, ويوجّه شكواه للذي خلق السماء والأرض ، يقوِّه الله بمقدرته ، فيسخره الله للناس ، ليكون الأمل ، الإشراق ، رغم أنه يُعاني لكنه عن الخير ، لم يُغيّبه الله . خيره دائم ، إن روحه موصولة بالسماء دائماً ؛ لأنه يُدرك جيداً بأنك مُحاط برحمة الله ، وعين الله ترعاه بين خطوة وخطوة .
الله يُحبــــــني ، ولـن يخـــذلني
الله يهتمّ لأمـري ، وهو سيجبرني