فوضى مُنظّمة !
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأشياء التي نُمارسها ونعيشها للمرّة الأولى ، يظلّ لها النصيب الأكبر في القلب ، أتذكر كتالوجات الأطفال المولودين حديثاً ، فكل شيء يسبقه كلمة ( أول ) أول كلمة نطقها ، أول سنّ نبت له ، أول خطوة .. الخ . وبشكلٍ لا شعوري وغير مقصود منّا ، نظل نُحصي الجماليات في المرّة الأولى من كل شيء جميل . حتى لأظنّ بأن كثيراً منا وإن كانوا لا يجدون شيئاً يُذكر بما فعلوه للمرة الأولى في حياتهم ، إلا أنهم وبسبب هذا المفهوم ، ينبشون كل التفاصيل التي مرّوا بها ، ليجدوا أي شيء يجعلهم يؤكدون بأن المرة الأولى من كل شي مُختلفة .
هذا وإن كان صحيحاً ، فالمرة الأولى من كل شيء يكون كفضّ الجهل الشعور به . الأم تتعلق بوليدها الأول ؛ لأنه من خلاله عاشت معنى الأمومة التي لم يسبق لها أن جرّبتها . لذلك نجد القول بأن : ” ما الحب إلا للحبيب الأولي ” متداولاً ، رغم وجود نماذج من بيننا لم تنجح ممارستهم لشيء معين في المرة الأولى ، وفي الثانية كتب الله لها التوفيق .
أتذكر ذهابي للمرة الثانية للرياض ، لوهلة شعرتُ بأني فقدتُ حماستي ، فقدتُ الأحاسيس الجميلة التي رافقتني قبل الرحلة ،ولسان قلبي يقول : هكذا الأشياء مهما بلغ جمالها ما بلغ ، فالمرة الثانية لا تعني شيئاً مُقابل المرة الأولى . وشاء الله أن استمتع منذ اليوم الأول وانتشي ، حينها ، تساءلت : لماذا استمعتْ رغم أنها ليستْ المرّة الأولى ؟ جاءتني الإجابة في بسمة أمي ، ومُشاكسة أختي ، وحنّو أخي ، وإطلالة زوجة أخي . كل أؤلئك لم يكونوا برفقتي في المرّة الأولى ، وهُنا يكمن الفرق بين المرّة الأولى والثانية .
إنك في مرّتك الأولى تكون مُمسكاً بقنديل مضاء ، وتسيرُ في درب مظلم ، تكون المُكتشف ، وتتلذذ بما تفعله ، بينما يغيب هذا الجانب في المرّات الثانية للأمر نفسه . في المرّة الثانية ، يكون الدرب مضاء ، وقنديلك مُطفأ . ستسيرُ دون أن تقفز عيناك لما وراء الأشياء ؛ لأنك تعلم من المرّة الأولى بأنك مررتَ بالأمر عينه . لكن عقلك وعيناك ستبدأ في البحث عن مهمة جديدة ، بما أن السابقة لم تعد تُجدي معك نفعاً ، ستبدأ في الانتباه لملامح الأشخاص ، للأزهار المصفوفة بشكل يسرّ الناظرين ، ستلحظُ أشياء صغيرة ، ولن تستوعب كيف أنك لم تنتبه لها في المرّة الأولى . الأشياء لا تتغير ، ما يجعلنا نشعر بالسعادة حتى بعد مُمارستنا المائة للأمر عينه هو التقاطنا للشيء المختلف في المرة المائة عن سابقتها .
في المرة الأولى ، ستغيبُ عنك أشياء ، كان من المُفترض أن تقوم بها ، لا أدري ما هية هذه الأشياء ، فتأتي المرّة الثانية للشيء ذاته لتخبرك : أنا أُتمّمه ! تذكر كل شيء قمت بالاستمتاع به في المرّة الأولى ، وافعله للمرة الثانية دون أن تخطط لذلك ، ثم زاوِج بينهما ، والحظْ الفرق . . والحظ كم أن المرّة الثانية أمرٌ غير مملّ !
علّمونا بأن الطفل إن كانت له تجربة سيئة في أمرٍ ما ، فعليك بإبداله لشيء حسن . فغرق الطفل للمرّة الأولى ، يُمحي كل المتعة التي تُرافق السباحة ، لذا عليك أن تمحي الخبرة السابقة بأن تُقحمه الأمر عينه ، وتتلافى أن يحدث هذا في المرّة الثانية . المرّة الثانية من الأشياء التي مارسناها سلفاً ، قد تزهو بطريقة نتعجب من عدم حدوثها في المرّة الأولى . لذلك فإنك تجدُ لكل واحد منّا ” بؤسه ” الخاص تجاه بعض الأشياء في حياته ، بحُكم المرّة الأولى التي لم ينجح أو يستمتع بها . ونادراً ما يحدث – إن كان بالغاً مُخيّراً – أن يُعيد التجربة التي خفق فيها !
لن أقول استمتعوا بالأشياء التي تفعلوها للمرّة الأولى ؛ ذلك لأن هذا ما يحدث ، لكنني سأقول
اعطوا المرّة الثانية . . فُرصة ثانية للاستمتاع : )