الرئيسية كائِنات حسيَّة لكنّه لم يعطب بعد !

لكنّه لم يعطب بعد !

بواسطة إيناس مليباري

♪ 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

alukah

الكلمات التالية هي البَلسم للجُرح، لكل مَن بلغ مِن الكبر عتيًّا ولم يرَ ثمرةَ تربيته؛ ليعلم بـ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].

حتى إذا ما احدودبَ الظَّهر تعبًا، واستسلمت النفس كمدًا، وأجهد العينَ ذرفُها الدمع، وباتت كُل المُعبَّدات من الطرق قد أنشأتْ سدًّا، حينها عليك أن تتقَهقر للخلف شيئًا فشيئًا، حتى تخال نفسك تودُّ الفرار من شيء ما!

تُتابع تقهقركَ هذا حتى تجد ملاذًا يؤويك؛ لتَشخص ببصركَ نحو السماء طالبًا من ربٍّ رافعُها بلا عمدٍ أن يمدَّك بالعون.

كل شيء حولنا له نهاية وحد آخِر لا يتبعه شيءٌ آخَر، تمامًا كالسقف الذي يكشف لك مدى محدودية منزلك مهما أخذ “يشهق” لينضم للمباني الشاهقة، فهو في نهاية الأمر ينتهي عند هذا الحد، وكذا الحال في التربية وجُهودك المُضنية، حرصك المحفوف بالأُمنيات، دعواتكَ التي تُناطح السحاب، كل تلك الأمور مهما بلغ قدرُها، فستجدُ النهاية بأن لك حدًّا ستبلغه لتتوقف عنده، أيًّا كان التوقف، من حيث الإيجابية أو السلبية، وسيأتي توضيحها لاحقًا في نفس المقال.

إن لم تُفلح في تغيير مسار ابنك، فلا تيئسْ ولا تحزن؛ فقد فعلها أولو العزم من قبلك، لقد بلغوا من العناء مَا اللهُ به عليم، ولقد صدقوا اللهَ في حُسن نواياهم، وأعقبوا الإحسان بالعمل، ثم الاتكال عليه، لكن… ها هو نوح – عليه السلام – لم يجدْ من ابنه سوى: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]، حتى استجداؤه لربِّه لم يُغير من الأمر شيئًا.

كما أن إبراهيم – عليه السلام – رغم تحطيمه للأصنام، تلك التي جَعلت من قلوب مؤمنيها شيئًا جامدًا، فإنه لم يستطعْ تحطيم إيمان والده آزرَ!

ولوط – عليه السلام – والذي هُو من أهل الصلاح والخير للأمة، إلا أن هذه الأشياءَ لم تمنع مشيئة الله من أن تُخبره بأن لكل شيء نهاية، تمامًا كعُمر الإنسان، وكذا جُهدك في محاولتكَ لتربية أبنائك؛ لذا سخر اللهُ الرسلَ للوط – عليه السلام – ليحسم الأمر بقوله – تعالى -: ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81].

ولنا في رسولنا أُسوة – عليه الصلاة والسلام – فهل استطاع أن يُدخل عمه أبا طالب في دين الحق والخير؟ غادرالحياة وهو غير مُلبٍّ لِما طلبه منه محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – حين طلب منه أن يقول: لا إله إلا الله، كلمةً يحاجُّ له بها عند الله، فكان نزول هذه الآية: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].

النموذج الرباعي كتب اللهُ لهم عدم إتمام بعضٍ مِن مهامِّهم كما يحبون؛ ليخبرنا اللهُ بأن لك حدودًا وقدراتٍ، وبأن عليك بذل الجهد، كل الجهد؛ فلا تيئَس من المحاولة المائة ثم تدعي بأنك كإبراهيم – عليه السلام!

كُن صادقًا مع نفسك؛ ليصدقَك الله.  تذكر أيضًا بأن كل ما تفعله: ﴿ فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52].

تذكر – إن نسيت – بأن السقف الذي يُظلل منزلك، قد عكفتَ عليه طويلاً، ليكون أعلى من رأسك، وأعلى من طموحاتك، إلا أنه مهما علا سينتهي به الأمر عند حدٍّ معين.

وكذا الحال، توقعاتك عن صلاح أبنائك، تتعمد أنت في إعلاء سقف توقعاتك، فتزيد من وتيرة جُهدك، محاولاً تطبيق التوقعات على الواقع، وحين لا يتحقَّقُ ما ترنو إليه، خيرُ ما يُهوِّن متاعبَك التي لم تجنِ ثمارها، هو يقينُك بأن الله يعلمُ ويرى، وبأنك مأجورٌ في كل مرة عانيتَ فيها الأمرَّين، وسيجعل لك عوضًا من حيثُ لا تحتسب.

المقال على موقع الألوكة هُنـــا

You may also like

اترك تعليقا