الرئيسية كائِنات حسيَّة ولكن كونوا ربّانيين

ولكن كونوا ربّانيين

بواسطة إيناس مليباري

♪ 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

nmla

ولمّا أفتيتُ قلبي ، ليفتيني ، بشأن ما الذي ينبغي أن نكون عليه في حياتنا ؟ استحضر قلبي هذه الآية فأفتاني بما فتح الله عليه . قال الذي علمنا مالم نكن نعلم ، في سورة آل عمران : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) .

وقد ذكر الطبري في تفسيره لمعنى ( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) :

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : “ كونوا ربانيين ” قال : الربانيون : الذين يربون الناس ، ولاة هذا الأمر ، يربونهم : يلونهم . وقرأ : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الربانيون : الولاة ، والأحبار العلماء .
ف “ الربانيون ” إذاً ، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا . ولذلك قال مجاهد : ” وهم فوق الأحبار ” لأن ” الأحبار ” هم العلماء ، و ” الرباني ” الجامع إلى العلم والفقه ، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم .

ما أكثر ما مررتُ على هذه الآية ، لكن لم تستوقفني كلمة ” ربّانيين ” ، كنتُ أظن بأنه من اليسير أن يكون المرء ربّاني ، لكن مع التي قد آتاها الله من العلم وفقهها في الدين ، أستاذة أناهيد ، بدا الأمر مُختلفاً ، ليس كما كنتُ أظن ، وتظنون .

رغم أنها لم تتطرق لهذه الآية ، لكن هذه الآية كانت تُصاحب كل أمر كانت تتحدث به ، تقلّبنا خلال الأسبوعين الماضيين بين ثلاثة أسئلة قصيرة جداً ، يتطلب فَهمها العُمر كله ، ( من ربّك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ ) أدركتُ بعد سبر أغوار القصيرات هذه ، أن إجابتنا على أي سؤال يُعرض علينا ، لا يعني بالضرورة فَهمنا الصحيح لما سُئلنا عنه ! قد أُجيبك بما أنت تريده ، لأني أعلم بأنك علمتني أن هذه هي الإجابة لهذا السؤال ، لكنك لا تعلم بأني لم أعلم بعد من هو هذا الذي قد لقّنتني بأنه ربي أو رسولي ؟ ماذا يعني أن تخبرني أن الله ربي ؟ وما الذي يعنيني بأن الله الذي هو ربي أرسل رسوله ؟

من بين ماتطرقت له ، بناء عقيدة الطفل في الرُسل ، وأهمية إيصال المفردات القرآنية بحسب استيعاب الطفل ، ومثاله : إخباره بأن الفُلك هي السفينة ، جرّبت هذا مع أطفالي ، حين اخترت أبو بكر الصديق مثالاً لخير الصُحبة ، كتبت الأحاديث في ورقة ، وضعتها بجانبي في فترة الحلقة ، تحدثنا عن أبو بكر رضي الله عنه ، وحين وجود حوار أو قول ، كنتُ أُراجع النص كما هو في الحديث وأخبرهم به ، فوالله ما رأيتُ ملامح أطفالي مُنصتة كما رأيتها في تلك اللحظة ، أيقنتُ أن للنصّ القرآني أو الحديث النبوي ، هَيبة في قلوب الصغار قبل الكبار .

أتذكر حين عرجنا على قصة أبو بكر رضي الله عنه أثناء توجهه هو والرسول صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ، كان أبو بكر يمشي على يمين الرسول ساعة ، وساعة خلفه ، وبين يديه تارة أخرى ، لماذا فعل ذلك أبو بكر الصديق ؟ ثم فطن الرسول لذلك فقال له : “يا أبا بكر لو شيء أحببتَ أن يكون بكَ دوني ؟ ” توقفتُ وسألتهم ماذا يقصد الرسول بقوله هذا ؟ وهكذا في كل نصّ كنا نمرّ عليه ، يُذكر كما هو ، ثم نتوقع معناه سوياً .

أختم التدوينة ، بحديثي عن أن يشعر الإنسان أنه غنياً ، غنياً رغم فقره في كثيرِ من جوانب حياته ، من أسباب أن تشعر بالغنى أن يكون في مكتبتك كتباً على غِرار : رشّ البَرد في شرح الأدب المُفرد . ذلك الكتاب الذي أرشدتنا إليه أستاذة أناهيد ، الكتاب الذي مجرد النظر إليه يُشعرك أنك تُمسك بكنزِ من كنوز الدنيا المتصل بالآخرة ، موضحةً لنا بأن كثيراً من المشكلات السلوكية الصغيرة جداً ، التي قد نصفها نحن المعلمات بأنها ” أول مرة نسمع فيها ” ! فإن علاجها في السنة التي هجرناها طوعاً ، بغفلتنا ، والتفاتنا إلى الدّون من الكتب التربوية التي هي في منأى من النهج المحمدي . 

وأخبرتنا حين يكون لديك نصّ لكل تصرف يقوم به الطفل ، فتخبره بالزاد الذي لديك ، في الموقف الذي هو بحاجة لتذكيره ليس بأن ما يفعله من تصرف هو مخالف لقانون الروضة ، لكنه مُخالف لما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد جرّبت هذا مع ابن أختي حين كثر ضربه لأخته الصغيرة ، فكرت أن يجيئ توجيهي له بحديث مُطابق لتصرفه ، قلت له :” يوسف ، من هو نبيك ؟ ” أجابني : ” الرسول صلى الله عليه وسلم ” فقلت : ” تعرف إنو  الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” . وصمتُ ،حتى قال : ” إيش يعني ؟ ” شرحتُ له بلغة بسيطة يفهمها معنى أن يسلم الآخرون من إيذائك اللفظي أو القلبي ، حتى أخته التي كانت شديدة الحزن لأنها ” مظلومة ” كانت تستمع إلي باندهاش وصمت رهيبين . 

يارب منحتني عينين ولسانا وشفتين اهدني ألاّ تنشغل هذه الجوارح بغيرك عنك
يارب وأنت الكبير في عليائك وأنا الهباءة في كونك فكن أنت الصاحب في سفر الحياة

د. سلمان العودة 

You may also like

7 تعليقات

T@rek 28 سبتمبر 2013 - 10:45 م

دعيني أسرّ لك ِ أمرا ً , أنا ممن يستفزني الحديث حول ” العلم الشرعي ” .. لكثرة ما رأينا من خيبات لمعظم المتحدثين في الدين …
لذلك استفزني و جدا ً تفسير كلمة ربانييّن , بأنها تعني عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا

نقطة أخرى , أتمنى أن يتسع حلمك للاستماع لي فيها :
المعنى الذي أورده الطبري لا يتسق- من وجهة نظري على الأقل – مع معنى الآية , بعبارة أبسط : الآية تتحدث عن أن الرسول لن يطلب من الناس عبادته , إنما سيطلب منهم أن يعبدوا الله .. , ربما يكون فهمي خاطئا ً , و الله أعلم ..
————
على صعيد آخر , بقية التدوينة , راقتني جدا ً …
يعجبني إيمانك برسالتك ,و أقف موقف احترامٍ و تقديرٍ منه و فخر ٍ به ..
————
كنت لأحتفظ برأيي الذي أوردته في البداية لنفسي , لكن لكوني أشعر بنوع ٍ من الألفة لأسلوبك … فقد أوردته هاهنا ..
أرجو أن تعذريني لو كنت قد كسرت غلالة اللطف و الروحانية التي تلفّ التدوينة و مدونتك ككل ..

Reply
علي العمري 30 سبتمبر 2013 - 2:46 م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا زلتِ تضيئين قلوبنا بهذه القبسات الروحية المباركة، وتمنحينها عطاء ونقاء، وتثرينها بالتفاؤل والأمل وإن بدا بشكل غير مباشر، وكل ذلك فضل من الله نسأله أن يديم عليك وعلينا فيضه وفيوضه، وسوانحه وبروقه، ونعوذ به أن نكون من الغافلين.

وللفائدة اسمحي لي أن أنقل النص التالي عن تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا الحسيني قدس الله روحه ونوّر ضريحه:
“الربانيون هم المنسوبون إلى الرب ، إما بمعنى الخالق المدبر لأمر الملك ; لأنهم يعنون بالعلم الإلهي والتهذيب الروحاني ، وإما بمعنى مصدر ربه يربه ؛ أي رباه ; لأنهم يربون أنفسهم ثم غيرهم بالعلم والعرفان وأحاسن الآداب والأخلاق، وهم كبار كهنتهم من اللاويين الصالحين … والذي يسبق إلى فهمي عند ذكر الربانيين والأحبار أن الربانيين عند بني إسرائيل كالأولياء العارفين عندنا ، والأحبار عندهم كعلماء الظاهر عندنا . وقال ابن جرير : الربانيون جمع رباني ، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم . وأما الأحبار فإنهم جمع حبر ، وهو العالم المحكم للشيء . وما قلناه أظهر ، وهو إلى اللغة أقرب”.

ودمت موفقة مباركة أختي الكريمة.

Reply
حمد 30 سبتمبر 2013 - 6:06 م

يارب منحتني عينين ولسانا وشفتين اهدني ألاّ تنشغل هذه الجوارح بغيرك عنك
يارب وأنت الكبير في عليائك وأنا الهباءة في كونك فكن أنت الصاحب في سفر الحياة

آمين

بوركتِ

Reply
إيناس مليباري 5 أكتوبر 2013 - 11:29 م

طارق ؛
أهلاً بك وبالسخط الذي تشعر به تجاه العلم الشرعي :”)
القرآن في مجمله نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل نداء كان له عليه الصلاة والسلام
فإن الأمر يعيننا نحنُ كذلك ، كان الأمر له ، وامتد الأمر لنا ..
في كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم الجوزية ، عرّف أبو أسامة الهلالي عن ابن القيم بأنه ( شيخ الإسلام الثاني والإمام ” الربّاني ” )
جزاك الله خيراً على حديثك الطيب ، تسرني متابعتك

علي ؛
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم اجعلنا ربانيين ” بُصراء ” بأنفسنا وبالناس أجمعين
جزاك الله الفردوس الأعلى من الجنة على إضافتك الثرية
دمت بذات الدأب :”)

حمد ؛
اللهم آمين ،
تسرني متابعتك :”)

Reply
T@rek 9 أكتوبر 2013 - 7:27 م

أختي إيناس ,
أشكر لك ِ لطفك الذي هو ليس بالجديد و لا بالغريب على سمّوك , لكن يؤسفني أن ردّك لمّ يقدّم لي شيئا ً !

Reply
إيناس مليباري 10 أكتوبر 2013 - 2:10 م

أهلاً بك مرة أخرى ،
لنبدأ من جديد ، كان خلافك على أمرين
أولها : معنى كلمة ( ربانيين ) ، وهاك تفسيرها من مختلف التفاسير الموثوقة :
1. السعدي : أي: علماء حكماء حلماء معلمين للناس ومربيهم، بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك، فهم يأمرون بالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة،
2. البغوي : واختلفوا فيه قال علي وابن عباس والحسن : كونوا فقهاء علماء وقال قتادة : حكماء وعلماء وقال سعيد بن جبير : العالم الذي يعمل بعلمه ، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : فقهاء معلمين .
3. ابن كثير : قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد: أي حكماء علماء حلماء, وقال الحسن وغير واحد: فقهاءو وكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس وعن الحسن أيضاً: يعني أهل عبادة وأهل تقوى

ثانيها : أن تفسير الطبري ل( الربانيين ) لا ينطبق مع معنى الآية ..
عُد لهذه لعل فيها ما يسد الرمق والتي هي عبارة عن محاضرة د. سلمان العودة وحديثه عن ( ولكن كونوا ربانيين ) بتوسع
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=14014

وإن بقي الحال على ماهو ، فلعلي لم أوفق في إيصال ما أريد

Reply
T@rek 10 أكتوبر 2013 - 4:39 م

ربما أنا متعصّب بعض الشيء ,… سأحاول الاستماع إلى محاضرة د.العودة ..
أشكر لك ِ صبرك على نزقي ^_^

Reply

اترك تعليقا