السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المطلوب منك تجاه ما ستقرأ الآن، أن تتخيَّل فقط، تتخيل لو أنَّ الله قدّر لك أن تكن بهذا الموقف، فما أنت فاعل؟
هب أنك تستعدّ لمناسبة عظيمة الشأن لك، جمعت جموعك، جهَّزت كل شيء تقريبًا، قسَّمت المهام، ثم بدا كل شيء أنه على ما يرام لو حافظ كل واحد على ما أعطيته من مهام ومسؤوليات. جاءت الأقدار لتخبرك أن الدنيا لا تصفو لأحد، خيّب بعض من أوكلتهم مهمة عظيمة لانجاح مناسبتك هذه، ظنّك فيهم، فغادروا قبل أن تنتهي مناسبتك! مجرد حدوث الفوضى وسط انتظام كل شيء هو فشل لمناسبتك! غادروك الضيوف، وأنت غير راض عن ذلك الصنيع! ماذا سيكون شعورك؟ سيكون قلبك شغوفًا منتظرًا لأقرب فرصة لقاء بأولئك القوم؛ لتصحح نظرتهم عنك! لأن ما حدث ليس من المفترض أن يحدث، لكنه بمشيئة الله حدث! ستبقى منتظرًا لفرصة تعديل النظرة، مهما كلّفك الأمر.
ماذا لو رزقك الله الفرصة في فجر اليوم التالي؟ أنت منتظر لهذه الفرصة، لكن ليس بهذه السرعة! لا زال التعب يغذي جسدك، لست وحدك لكن جمعك الذي كان بالأمس، مُنهك مما لاقاه في ذلك المكان.
من المؤكد أنك ستكن في حيرةً من أمرك، فما تمنيته جاءك على طبق من ذهب، وما سيرددك للخروج هو ” سوء التوقيت” بوصفنا نحن الذين لا نُحسن تفسير أقدار الله، من المؤكد أنك لن توافق مباشرة للقاء ضيوفك وقواك لا زالت راقدة! لكن هذا لم يحدث مع الرسول، صلى الله عليه السلام! الآن، انتفض من خيالك، وقُم!
لما هُزِم المسلمين في غزوة أحد، لم يكن هذا ليُرضي قائدهم وحبيبهم، أخطأ البعض، فعمّ المصاب جميع القوم! حتى في لحظة الهزيمة العسكرية، كان الحُزن ممنوع! فقال لهم الله جلّ شأنه: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران|١٣٩.
ما من شيء يأكلك من الداخل، يُحطِّم أجمل ما فيك وأنقاه، مثلما تفعل تلك الهزيمة النفسية في داخلك، تجعلك تتنازل، تتخلى عن موقعك في هذه الحياة، ظانًا أن غيرك بإمكانه سدّ ثغرتك! وهذا ما لم تعِه ياصاح! أنك أيًا كان مكانك، فرباطك حيث اختارك الله أن تكن، مهما كانت خسارتك بالأمسِ القريب أو البعيد، عليك ألا تهِن ولا تحزن، ما دمتَ بالله موحدًا، وله ناصرًا، فكل ما على الدنيا يهون.
حسنًا ماذا قُدر لهؤلاء المؤمنين حتى يُذهب الله عن قلوبهم الحُزن؟ فجر اليوم التالي مباشرةً، نادى مُناد بأن يجتمع من كان بالغزوة البارحة، فقط من كان مُشارك بمعركة أُحد، وكان أغلبهم ما بين مُصاب وجريح، لأي حد وصلت بهم الجروح والقروح؟ لربما يكفي لو أشرتُ لابني الأشهل!
قصتهما أنهما كانا من الذين شاركوا في الغزوة، وقد أصابهم من الجروح ما جعلهم غير قادرين على المشي! ماذا حدث لهما لما سمعوا بلالًا ينادي أن: حيّ على الجهاد! قالا: أتفوتنا غزوة مع رسول الله؟ وما كان معهما دابة يركبانها!
وهذا طلحة، لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد فجر اليوم الجديد، مناديًا للجهاد، فرأى طلحة، وقد كان به سبعة جراحات، فقال له عليه الصلاة والسلام: “سلاحك ياطلحة” فيعدو طلحة وكأن ما به من جراح! في مقابل جراحات النبي عليه الصلاة والسلام!
لما يرزقك الله فرصة جديدة لأن تُصلح ما فَسُد بالأمس، لا تُضيع ما منحك الله إياه، مهما كنت متعبًا، تذكر ابني الأشهل وطلحة! لا بأس أن تكمل المسير وقروحك لم تُضمَّد بعد، لما تنشغل بالأعلى، يكفيك الله الأدنى، لمّا يكن فكرك كلّه مُنصبّ للآخرة، يكفيك الله الدنيا بهمّها وغمّها. وهذا ما حدث مع صحابة رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
لمّا أظهروا لله صدق توبتهم، منحهم الله خط عودة؛ للإصلاح، لإظهار الإيمان، وكل هذا لئلا يُعمّر الحزن والهوان فيهم طويلًا، وهم الأعلون! هذا كلام الله لهم.
لكل منّا “حمراء الأسد” خاصّته، تلك الفرصة الربّانية التي منحها الله لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكثوا وأشعلوا النار في ذلك المكان؛ ليثبتوا لأهل الباطل أنّهم بأمر الله أقوياء، رغم الجراح، رغم القرح، لكنهم بالله أعزة. لم يتجرأ أحد من الاقتراب منهم، فكانت النصرة النفسية للمسلمين، فأين حمراؤك؟
ثق بأن الله يمنحنا دائمًا فُرصًا ليُشرق أمسنا الذي أظلمناه بأيدينا، وهذه هي أيام الله، يوم مشرق ويوم مظلم، نعيد إشراقه بفضله وأمره وإذنه فإذا الذي أحزننا بالأمس، يسرّنا اليوم.
واعلم بأن فرصًا تذهب وأخرى تأتي؛ ليميز الله الخبيث منّا والطيب، كثُر من يدّعي بادّعاءات لا يعلم إلا الله، وما أن تأتي المواقف والأقدار؛ لتكون له كاشفة، ليعلم كم كان كاذبًا كاذبًا.
اللهمّ ادخلنا مدخل صدق، واخرجنا مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سُلطانًا نصيرًا
1 تعليق
منحهم الله خط عودة!
الذين استجابوا من بعد ما أصابهم القرح!
فكم من قرح أصابنا بذنوبنا؟!
فعل عدنا واستجبنا ؟!
والله يحب التوّابين.