الرئيسية خيرُ الشهور لم أعدْ وحيدة

لم أعدْ وحيدة

بواسطة إيناس مليباري

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبتُ في تويتر ليلة الأمس : ( الآن أستطيع القول بصدق من قال : بعضُ ما نشعر به ونعيشه يستعصي علينا أن نبديه للآخرين بذات الجمال الذي هو بداخلنا ) لا أدري كيف أبدأ ؟ لم أرتب أبجدياتي لهذه التدوينة ، لكنني بحاجة شديدة لأن أدونها من أجلي ومن أجلكم .

كان رمضان منذ ليلته الأولى عادياً جداً أو قُل إن شئت دون المستوى العادي ! كنتُ استجدي الروحانية علّني اقتبسُ من وهجها ضوءاً يسيراً لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث ، حتى قراءتي للقرآن لم تنجح في أن تجعلني أشعر بأنه رمضان ! حتى جاء اليوم السادس منه  ، ذلك اليوم الذي سأظل ممتنة فيه لكثير أشخاص بعد الله ، أولهم للشيخ العظيم مشاري الخراز ، حلقته الخامسة من برنامجه المميز أجمل نظرة في حياتك ، تحدث في الحلقة عن ابتلاءات الإنسان الكبيرة والصغيرة ،تحدث عن الصبر بمراتبه المختلفة . تحدث عن مفهوم الصبر الذي كان سبباً في انهياري النفسي ، أنا التي ظننتُ بأني طيلة الأعوام الماضية بأنّ الله يُجزيني لأنني صابرة مُحتسبة !

مرّت عليّ كثيراً بأن ( الصبر عند الصدمة الأولى ) في كل مرة يخبرني بها أحدهم لم أكن أدرك بأنها إشارة من الله بأن عليكِ أن تُعيدي النظر لما أنتِ عليه ، أنتِ وظنكِ الخاطئ بنفسكِ ! ماذا يعني الصبر عند الصدمة الأولى ؟ يعني أن تصمد فور وقوع الابتلاء  ، لا تجزع وتشكو وتتذمر ثم وبعد أن أفرغت السوء الذي بداخلك تقول لنفسك واهماً : أنا صبرت واحتسب أجر صبري عند الله !! الصبر يا رفاق مُتعب مُتعب لكن ولأول مرة وبعد أن استفقتُ من نوبة انهياري وبُكائي قررتُ أن أتعلم كيف أصبر ، ليس بالطريقة التي ابتكرتها لنفسي ، لكن بالطريقة التي شرعها الله لنا وارتضاها علينا .

والله وتالله وبالله الآن وبعد مرور 10 أيام على ما نويتُ تعلمه أشعرُ وبعمق بأن في قلبي زهرة ، زهرة من الجنة قد غرسها وأودعها  الله في قلبي ، وقد حمّلني مسؤولية الاعتناء بها ، وقد ألهمني بأن الاعتناء بها والسبيل لنموها هو أن أربط على قلبي أكثر ، أن أتقرب منه أكثر ، أن أتدبر ، أتفكر ، أتأمل ، أتجاوز عن كثير سوء ، أظن فيمن أساءوا خيراً . أؤمن كثيراً بمن قال : إذا علم الله من العبد صدق النية أعانه . أتدرون كيف جاءت معونة الله لي ؟ ليعلمني أنا التي لم تصبر يوماً ، أن أصبر ؟ توالت عليا الابتلاءات والأمور الصغيرة المزعجة ! الجو الخارجي لي ولزهرتي شديد التلوث يا رفاق لكنني ولأول مرة لم أجزع ولم أصطنع الصبر ! أنني أصبر بطريقة جميلة ! في اليوم السادس فقط أصبحتُ أرى الله يحدثني في كثير آيات ، أشعرُ وكأنه يُخاطبني فأكرر الآية حتى تصل لزهرتي فترتوي كما ارتويتُ أنا . أتدرون ما الذي أشعرُ به بعد انصرام الأيام الأولى على تعلمي كيف أصبر ؟ ( فأنزل الله سكينته عليه وأيّدهٌ بجنود لم تروها ) أين الجنود ؟ لا أدري ؟ لكنني أشعرُ بها وربكم ، إنها قريبة قريبة .

أتصدقون بأني لم ألفظُ يوماً بـ ( الحمدُ لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه ) أقسم بمن أودع الزهرة في قلبي بأني وإن لفظتها لم تتعدى لساني ! لكنني ولأول مرة يدكني الحمدُ دكاً دكاً ، أدركتُ بأن الحمدَ حين وقوع ما تكره أجمل بكثير مما لو حمدته وأنت في رخاء . في كل مرة كنتُ أحزن جراء وقوع ما أكره – وقت أن كنتُ أدّعي الصبر ! – كنتُ أشعرُ بأنني وحيدة ، رغم وجود الصديقات مني يخففن ، لكنها لا أخفيكم كانت كالإدرينالين ، ما أن يذهب مفعوله أعود لأشعر بأني وحيدة ، لم أشعرُ يوماً بأن الله معي حين أحتسب أجر مصيبتي كبرتْ أم صغرت .

الآن أشعرُ بأن قلبي كفراشة خفيفة بإمكانها أن تحمل أعتى الصخور ، تتألم قليلاً وقد تبكي لربها تبثه شكواها لكنها قادرة على أن تتجاوز المحن والصعاب ، الآن أدركتُ لمَ ينال الصابر كل ذلك الأجر ، لمَ كثرتْ آيات الصبر ، في السابق كنتُ أُخرج مرارة الصبر علناً ، بالتذمر غير المقصود أو بالأفعال التي لا مبرر لها ! لكنني الآن أتشارك المرارة مع الصديقات بطريقة أخرى ، أتحدث بغير جزع ، كأنني أقص قصة مؤلمة دون أن أُبالغ في ذلك ، دون أن أُكثر الشكوى ، أن تكون صابراً لا يعني بأنك صامداً لا تشكو ولا تبكي : )

وإني لأطمع في كرم الله أن يقوي قلبي حتى ليكون أكثر قوة من قلب أم موسى ، ذلك الذي هوّن لها مصيبة إلقاء ابنها في اليم ! . يقولون بأنه : من ذاق عرف ، ومن عرف اغترف ، يجدرُ بي الآن أن أغترف من الصبر أكثر بعد أن تعرفتُ عليه بحقيقته لا بتصوري ! : )

ختاماً : يُمكنني القول بأن رمضان تمكّن من قلبي ، وفتحهُ فتحاً مُبيناً ، إنني أعيشُ رمضان في قلبي رغم سوء الظروف وشدّة طغيانها من حولي ، وإني لأسأله الثبات : ) مع الإشارة إلى أن أي تغيير يحدث لك في رمضان ، إنما يتبين صحته بعد انقضاء رمضان ، فإن استمر وتطور فقد كنتَ في رمضان وقد كان فيك ، وإن ذبل وفنى فإنك لم تكن في رمضان ( رمضان يظهر أثره بعد رمضان ). 

ولأول مرة في رمضان أقطعُ مشروعاً رمضانياً لأمر أجدهُ كحالة طارئة لا تستدعي التأجيل ، شكراً للصديقتان اللتان حثتّاني على أن أدون بيان ، رهام : )

You may also like

8 تعليقات

سوسن امين 4 أغسطس 2012 - 2:06 ص

لصعوبة الصبر له جزاء عظيم عند الله سبحانه وتعالى, أرجو من الله أن يثبتك وأن تنمو هذه الزهرة في قلبك وتكبر حتى تصير حديقة من السكينة والصبر

Reply
المقداد 4 أغسطس 2012 - 2:08 ص

رائع جداً أن نشعر بالتغير في هذا الشهر الفضيل الذي هو شهر للتغير يعطينا الله فيه فرصة جديدة من عنده لنكون آخرون نتقرب لله ,,

لكن أريد معرفة السبب الذي أحدث هذا التاريخ يوم السادس من رمضان

لأن هذا رمضان كان مختلف لم أذق له طعما رائعا كما في كل عام ولم أشعر أنه بدأ وأنه كاد ينتهي 🙁

~

Reply
زوز 4 أغسطس 2012 - 6:55 ص

وصلتني كلماتك
ويقال ان مايخرج من القلب بصدق يصل إلى القلب لصدقه
وإني لأسأل الله أن يكرمنا بالصبر دوماً وأبدا

كوني بخير ورُقي 🙂

Reply
الشيماء المروعي 4 أغسطس 2012 - 6:56 ص

كتبت رداً طويلاً ومسح
أحياناً أمقت الإلكترونيات التي تسلبنا فكرة لتضيعها بين أخطاء اتصال

شكرًا إيناس جميلة جداً

كانت بدايتي مع ” فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” سورة يوسف آية ١٨ وتكررت في نفس السورة بنفس الصياغة فصبر جميل آية ٨٣
فكرت بعدها وماهو الصبر الجميل الذي استلذ به يعقوب عليه السلام وهو فاقدٌ لولده

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حبان بن أبي حبلة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } قال:” لا شكوى فيه، من بثّ لم يصبر ”
أصبحت بعدها أتغنى بالصبر وأتحدث بالصبر وابتسم بالصبر وأمشي بالصبر وكيف لا أصبر الصبر الجميل وقد ذُكر في القرآن
أحب كلمات الجمال كثيراً لذلك شعرت بأن هذه الآية تحدثني لأشعر بها وأتأملها واستشعرها وأتقرب إلى الله بها
عرفت معناها فبكيت وضحكت وشعرت بأن لدي سرٌ من أسرار الكون وقد فهمته أخيراً فحمداً لله أن اكتشفته وفهمته ووعيتيه الحمد لله أن فتح المولى لك هذا الباب فمن لم يُفتح له بعد فيجب عليه البحث عنه وبسرعة وبهمة كالعاطش الذي يبحث عن الماء

اللهم ارزقنا الصبر الجميل الذي لاجزع فيه ولا شكوى ولا تملل ولا استنكار اللهم ارزقنا صبراً جميلاً حلواً عذباً اللهم ارزقنا صبراً جميلاً يدخلنا الجنة مع الصدقين والشهداء والصالحين

أطلت عليك عزيزتي ولكن كان يجب أن أهنئك باكتشافك للسر

Reply
شيماء فطاني 4 أغسطس 2012 - 2:11 م

هو رضا داخلي يغسله إيماننا
هذا الصبر الذي رزقني الله إياه عند الصدمة الأولى مازال يغذيني حتى اليوم
مازلت أذكره وأذكر تلك الأيام الصعبة بابتسامة صادقة
هذا الشعور الجميل ياصديقة لو لم يكرمني به الله لحاربت الكون اجمع لأشعر به
فاستشعريه وغذي به أيامك .. فلا أجمل منه والله ولا ألذ

الحمدلله الذي هداك لهذا وماكنا جميعا لنهتدي لولا أن هدانا الله (:

Reply
علي العمري 5 أغسطس 2012 - 7:57 م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي إناس، دعيني بداية أشكرك على ما تبثينه في أرجاء المعمورة من حكمة ونور تحيين بها النفوس (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، والحق أن مدونتك السامقة هذه هي المدونة الوحيدة التي يصلني جديدها على البريد؛ لأنها المدونة الوحيدة التي اشتركت في قائمتها البريدية حرصا مني على متابعة جديدك، وإعجابا مني بشخصك الكريم؛ حيث أرى فيك صورة مشرقة للفتاة المسلمة الصادقة في إيمانها وتمسكها، وأرجو من الله أن يديم عليك هذا الفضل…
صحيح أن ما تكتبينه هنا قد يكون في معظمه مما مر بي لأنني متخصص في الدراسات الإسلامية لكن حاجتنا إلى التذكير لا تقل عن حاجتنا إلى المعرفة، فجزاك الله خير الجزاء.
أما في موضوع التدوينة فلا أجد تعقيبا عليه أنفع من قوله تعالى في سورة البقرة:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) “. سورة البقرة.

ودمت موفقة متألقة.

Reply
إيناس مليباري 6 أغسطس 2012 - 8:33 م

سوسن ؛
الله آمين لما دعوتِ به كما أسأله أن يجعلنا خير أمة صبر كما جعلنا
خير أمة أخرجت للناس : )

المقداد ؛
الذي حدث في السادس من رمضان أن الله سخر لي الحلقة الخامسة من برنامج أجمل نظرة في حياتك في الوقت الذي أنا بشدة الحاجة لما تطرق له الشيخ : )
اسعَ لأن تشعر بذلك ، ابحث عن نفسك بطريقة أو بأخرى

زوز ؛
آمين يارب وللجميع بإذن الله
والله من وراء القصد يعلم كم أن كل حرف دوّن ها هنا لهو الصدق يا أخية ، ولا أرجو
منها مجرد تأثر القراء بها ، بل أن تدكهم ليفكروا ، يعتنقوا ، يسعدوا : )

Reply
إيناس مليباري 6 أغسطس 2012 - 8:40 م

الشيماء ؛
وتغنيتُ أنا أيضاً باحساسك الذي أجدتِ التعبير عنه بسلاسة ، وذلك ما أشعرُ به حقاً ، التبسم والتغني
غير الظاهرين : )
إطالتك أغنتني عن كثير قول ، اطيلي دوماً فإني لكِ لمنتظرة : )

شيماء ؛
ياسلام عليك : )
إي والله إنه لرزق ، وحظ عظيم يا صديقة لكل من ناله في الدنيا : )
أحببتُ كلاماتك التي تعكسُ واقعاً خلف كل حرف ، وتجربة تمت معايشتها بصدق : )
سعدتُ لحضورك : “””)

علي العُمري ؛
ليستْ الكلمات ولا الأبجديات المنمقة من تجعلنا نسعد ، لكنه الصدقُ في القول : )
تالله لقد أسعدني صدقك ، وإني لسائلة المولى أن يجعلنا فوق حسن الظن بإذنه : )
وخير ما عقبت به تلك الآية التي تُذكرنا بحقيقة أقدار الله ، وسنة الحياة
الفاضل علي : شكراً مرة أخرى : )

Reply

اترك تعليقا