الرئيسية قِنديلُ الحِكمَة قناديل ملك الجليل

قناديل ملك الجليل

بواسطة إيناس مليباري

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قناديل ملك الجليل

 

رواية قناديل ملك الجليل تمّكنت مني بطريقة لم تكن بالحسبان ، هذه الرواية التي تتحدث عن التاريخ الفلسطيني في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، هذه الرواية التي تصوّر لك معانٍ كثيرة ، من بينها : معنى أن يسخرك الله للناس ، لهدايتهم ، دون أن تخطط يوماً لذلك ! فهذا ما بدأه ظاهر العُمر – بطل الرواية – حين أصرّ إخوته على تسليمه منصب أبيه بعد وفاته .

استطاع إبراهيم نصر الله أن ينقلك من رغد العيش إلى شظف الحياة ، ومعاناتها من خلال لغة الكتاب بالغة القوة  ، دون أن تُدرك ذلك بطريقة واضحة ، لكنه جعل بينك وبين قلب ظاهر جسرٌ موصول ، لتتقطسّ كيف يشعر القائد ، الذي قد يظنه أكثرُ من حوله ، بأن أفكاره ومخططاته ، وانتصاراته التي يخطط لها ، ما هي إلا أمور حتمية !

تُطلعك هذه الرواية على حقيقة سعي الحاكم القائد على نشر الأمن وإعمار الأرض ، واستخلافها وفقما يتناسب مع العصر . وأن من عمروا الأرض بالخير لم يكونوا قطّ يملكون كتاباً يقرؤونه مدوناً بالأفكار ! لكنهم شقّوا الطريق بأنفسهم ، والتمسوا للنصر دروباً . كما تُطلعك على حقيقة الإنسان ، واحتياجاته التي بتحققها يتوازن ، وبفقدانها ، يتأرجح ! تُطلعك كم أن الإنسان مهما انتصر ، وسبقته سُمعته يظل يحنو للكلمة الطيبة ، ويشتاق لمن يضخه بالحب ، هوَ وإن كان لا يبحثُ لذلك لكنه يدري كما يدري من حوله بأن ما يأتيه مِن حوله يدعمه ، ويقوّي وهنه ، ويشدّ من أزره ، تماماً كما كانت تفعلُ نجمة الأم الثانية لظاهر كما وصفها ، وكما كانت المرأة التي أحبّها تفعلُ به دون أن يلتقيا .

النية الطيبة الصادقة ، والعزيمة القوية والإصرار الثابت هم ركائز أساسية لانتصارات ظاهر ، هذه الركائز من جعلت معونة الله له من خلال تسخيره للناس الصادقون الداعمون في حياته ، وإلهامه بالخطوة التالية التي كان يُقدم عليها بكل ثبات وكأنه يعلم بأنه منتصر ، إنه يصوّر لك كيف أن الحق والسعي له مرتبط بثقة النصر ، ولا مقعد للخوف !

ظاهر القائد ، ظاهر الحاكم ، ظاهر مُتسلِّم الدولة ، كلّ تلك المسميات لم تكن لتُثنيه لأن يتطقس على حال قلوب أصحابه ، ومن أحبّهم ، إنه يزاحم وقته ليشاركهم ما يتوقون له – بنظرتهم لا بنظرته – حدث أن كانت مدينته مُحاصرة ، العدو من أمامهم ، ومن خلفهم ، ومن فوقهم القذائف ، ومن تحت أرجلهم وجلتْ الأرض خائفة ! حين علم ظاهر بأن اليوم يوافق عيد زواج أحد جنوده المقربين له ، أمره بأن يحتفل مع زوجته ! رفض ظاهر أن يسمع جواباً غير الموافقة ، أخبره بطريقة جميلة بأن حُثالة كهؤلاء لا يريدون سوى أن يبثوا الخوف في أنفسنا ، أن يجعلونا نتنازل على أن نفرح ، لقد أخبر صديقه بأننا سنمضي في حياتنا الطبيعية مع أصوات القذائف !

لم تكن حياته خالية من الصراعات ، وأعني بالصراعات على الصعيدين ؛ الصعيد الذي خاض من أجله الحروب ، والصعيد القلبي ! فعلى الصعيد الأول ، تجدهُ ثابتاً لا يتزعزع ، ولا يقبل دون أن ينتصر ، يرفض أن يذعن أو يستسلم ولو كان على حساب رأسه حتى ظننتُ بأنه ينبغي على كل ملك ألا يتنازل ، لكنه وبعد بلوغه الثّمانين ، وحين انقلب كثير من أبناءه ضده ! حين انضموا لجيوش أعداءه ، وكان هدفهم : رأس ظاهر ! اضطر لأكثر من مرتين لأن يُرخي الحبل ويخرج من مدينته ، ليحمي نفسه . لكنه لم يكن ضعيفاً أبداً ، إنه لا يخشى الموت ؛ حيثُ أنه مدرك بأنه ميتٌ لا محالة ، لكنه خرج لأنه يعلمُ يقيناً بأن فلسطين وما تعدّاها بحاجة له ، لإنسان لا يخاف في الله لومة لائم .

خيانة أبناءه له رغم أنه احتاج لوقت ليس بقصير ليدرك ذلك ، ويستوعب فكرة أن ينفصل الظّفر عن اللحم الذي هو أصل منه وفيه ! لكنه لم ينحاز يوماً لأياً منهم ، فإذا وجد بأن من مصلحة الناس أن تُقطع رأس أحد أبناءه ، لفعل ! حدث أن بلغه بأن أحد أبناءه قد اعترض طريق امرأة ، أمر بجنده أن يعلقوا هذا الأخير بحبل المشنقة ، وأن يضعوا تحته كرسياً ، لحين أن تقرر المرأة ، أتعفو عنه أم يُشنق ! ظاهر في هذه الحادثة كان يُدرك بأن العواطف إن لم يضبطها لأحالت الوضع إلى عواصف .

وعلى الصعيد القلبي والعاطفي ، فإنك لا تجده يُنهي حُباً ، أو يقتل شوقاً ، بل إنه يدعم كثيراً ، يُصالح ويوفّق ، حتى أن له كلمة جميلة قالها لصديقه بِشر الذي أحبّته ابنة عمّه حين تردد في أن يتزوجها بسبب فقره : ” نمْ هذه الليلة ، ولكن عليكَ أن تعرف أنك لن تكون صاحبي ولن تطأ عتبة بيتي إن كسرتَ قلب تلك الفتاة التي انتظرتكَ وأحنيتَ جبينها .

تجرّع ظاهر – مكرهاً – الخيانة ،  كطفل قد أحكمتْ أمه يداه وكلّ جسمه ليشرب الدواء العلقم دون أن يرغب بذلك ! انسلّ أبناءه واحداً تلو الآخر من بين يديه – وقلبه ! – كما خانه الصديق ، قائد الجيش ، الذي كان يمينُ ظاهر ، وصوته ، ومستشاره ، رغم كل هذا انتهت حياة عُمر على يدي هذا الخائن الذي لم يكن ليستحق أن يحظى بمكانة كتلك التي حظي بها في قلب ظاهر ! سيكون هذا أصعب مقطع مضطراً أنت لأن تُتمه ، حين يَنهى أحد الجنود المقربين لظاهر بأن يثق بالدنكزلي بهذا القدر ! حيثُ أن قلبه غير مطمئن لكل الصلاحيات التي يهبها ظاهر له . لكنّ ظاهر رفض هذا الرأي وأنهاه بقوله بأنه يثق بهذا الدنكزلي أكثر من ثقته في أبناءه ، زجره الجندي ثانية ، وذكّره بأن أبناءه قد خانوه من قبل ، لم يُضف ظاهر الكثير ، عدا أنه قال : لكن الدنكزلي لا يفعل ذلك .

مات ظاهر ، وقُطعت رأسه ، لكنه أنشأ لفلسطين كيان سياسي ، وقضى على الحكم التركي البائر الظالم ، وأحيا في قلوبنا معانٍ لو تأملناها لكنا خيرة خلق الله في أمورٍ كثيرة . مات ظاهر ، وأحياني !

مقتبسات :

الذي تستطيع اللّحاق به ماشياً ، لا تركض خلفه .
القنديل الذي سترى في ضوئِه العالم ، عليكَ أن تُشعله بنفسك .
الأصيل لا يطلبُ ثمناً لأصالته ، فالثّمن هو ذلك الإحساس الذي منحهُ لنفسه لكونه أصيلاً .
في الخيلِ عزّة ، لا يستطيعُ الإنسان أن يفهمها ، إنها تحزنُ ولا تبوح ، وتتألّم ولا تنكسر !
الذكريات هي الشيء الوحيد الذي يُمكن أن يتغلّب به البشر على الزمن ؛ لأنهم يؤكّدون لأنفسهم بها ، أنهم لم يكونوا مجرد عابرين لهذه الحياة .
اليوم الذي لك ، لا يُمكن أن تُراهن على أنه سيكون لك غداً .
لا تهزم مهزوماً مرة أخرى ، ففي الأولى يفهمُ أنك هزمته كجنديّ ، أما في الثانية فإنك ستهزمهُ كإنسان ، وبهذا لن يغفر لك !
والله لو وقف بباب قلبي رجلان ، رجلُ عادل من أيّ مذهب أو ملة أو دين ، ومُسلم ظالم ، لأسكنتُ الأول قلبي ، وطردتُ الثاني !
ما تستطيع الحصول عليه بالسّلم ، لا تخضْ من أجلهِ حرباً !

 

You may also like

6 تعليقات

سوسن امين 13 ديسمبر 2012 - 7:23 م

من فترة قررت القراءة لابراهيم نصر الله بعد قراءة الكثير من الريفيوهات عن روايته زمن الخيول البيضاء, لكن بعد قراءة هذا الملخص الجميل عن رواية قناديل ملك الجليل سأبدأ قريبا بقراءتهم بإذن الله

Reply
إيناس مليباري 19 ديسمبر 2012 - 11:28 م

كانت هذه الرواية أول عهد لي مع إبراهيم نصر الله ، وقد أسر لُبّ عقلي وقلبي يا سوسن : )
ستدركين بعد القراءة كم أنني لم أصف كل ما ينبغي عليّ وصفه ()

Reply
سارة 30 ديسمبر 2012 - 1:54 م

هل هذه الرواية وقعت في التاريخ. الفلسطيني. حقا أم أتها من نسج خيال الكاتب؟؟. شوقتني لقراءتها جداً

Reply
إيناس مليباري 30 ديسمبر 2012 - 9:02 م

أهلاً سارة ، يقول الكاتب بأن معظمها واقعية :”)
أنصحكِ بقراءتها () ستلبّي لكِ الكثير !

Reply
كوكب 5 أبريل 2013 - 4:19 م

هذه الرواية واقعية في كثير من أحداثها ولكن بعضها جاء من نسق الحبكة الروائبة ، قصة جميلة لكاتب اسنطاع يإسلويه أن بجعلنا متشوقين للمزيد…………………………

Reply
إيناس مليباري 11 أبريل 2013 - 10:09 ص

وهذا ما أخبر عنه الكاتب في صفحاته الأولى ، دمج الواقع مع أمور إضافية من أجل الحبكة : )
أهلاً بك

Reply

اترك تعليقا