الرئيسية كَوبُ حَيـاة إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ

إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ

بواسطة إيناس مليباري

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنتُ أفعلُ هذا أيضًا! هذا ما حدّثتُ به نفسي، يوم أن رأيتُ تصرف آخر، يقوم به أحد الأطفال، فأتعجب، لما “أتذكّرني”! رأيته ظاهرًا، محبًا لمن حوله، يرغب في مشاركتهم له، ولِما أحضره لهم، “الشيبس”، لكنه، ودون أن يدري، كان يُحكم الإمساك بالجزء الأخير منه، بحيث تُمكّنه تلك الحركة من الحفاظ بالحصّة الأكبر لنفسه! تذمّر الكثير من تصرفه! تذكرت نفسي، يوم فعلتها، . تذكرت أصدقاء الطفولة، والمراهقة .. إنّه الإنسان!

تذكرتُ قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء:100]، على أيّ نحوٍ كانت ستسير حياتنا، لو كانت مَلَكة الأمور بيدِ أحدٍ منّا؟ الحمدُ لله!

الإنسان، الذي هو أنا، أنت، قتورًا! والأنام يا صاح بحاجة، لإله رحيم، حكيم، في زحام فوضى الحروب وأوضاع الأمة غير المستقرة، حتى تلك الدُول والمُدن التي تعتقد نفسها بأنها بمنأى عن كلّ ذلك! غرّها ظاهرها، غرّها سكون سطحها، ولا تدري، باضطراب بواطنها، بواطن العقائد والأفكار والمذاهب … غير أنّ عافيتك أوسع لنا، ونحنُ عبادك وإماءك يا الله.

يُكرر إلهنا الرّحيم، في كتابه العزيز، في مواطن متفرّقة، بأن الخزائن، خزائنه، وأنها بيده، بيده وحده سبحانه، وليس لأحد القدرة على أن يغيّر ما قد قدّره الله في الكتاب. هذا التكرار من دواعي الاطمئنان. أنت لما تعرف، أن كلّ شيء، يؤخذ منك، يُسلب منك، كل شيء كان بودّك لو يأتيك دفعة واحدة، لكنه كان يأتيك رويدًا رويدًا، لما تعلم أن الله شاء لك ذلك، ولم يكن بالصدفة. يقول تعالى: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [الحجر:21]

ربنا يعلم حاجاتك، في كل وقت، فينزل لقلبك، بقدر ما يحتاجه، بحسبِ حاله، وفق ما تقتضيه حكمته، سبحانه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا في الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.

أنت لما يأتيك إنسان عزيز على قلبك، وتُريد أن تُكرمه، هل من علامات الكرم والمحبة، أن تعطيه كل المأكولات والمشروبات في وقتٍ واحد؟ ولله المثلُ الأعلى، اهمِس لقلبك، كلما تحرّك ضجِرًا: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ ، الخبير يعلم أن هذا هو الوقت المناسب، لأن تُسافر، وهذا الوقت المناسب، لأن تترك وظيفتك، وهذا الوقت المُناسب كي تتخذ هذا القرار الذي أجّلته منذ زمن، وهذا الوقت المناسب، كي يُثيبك غمًا بغم! المهم في هذا كلّه، أن تكون مُتيقظ وفطِن، بتدبير الله لحياتك، وتُذكّر الفؤاد بأن مايحدث هو: بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ، عند الله.

ما يفصلنا عمّا في خزائن الله هو (إلا)- إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ– ، والتي هي حكمته ومشيئته، سبحانه، علمه بما نمرّ به، وبما نحتاجه، دون أن نسأله، هو ما يفصلنا عن تلك الخزائن التي لا يعلمها إلا هو.

لأننا ننسى هذه الحقيقة دائمًا، فلما تنفد خزينتنا، نكفر ما أنعم الله به علينا! فتجد الإنسان يصير في بعضِ حالاتهِ الشعورية، إنسانًا آخر، هو لا يعرف نفسه، فكيف يعرفه الآخرون؟!

لما يوطّن الإنسان قلبه ، ويُربّيه على أن: ﴿ ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:96] دائمًا وأبدًا، مهما كثُرت أملاكك، وأموالك، واستطالت وتطاولت، فإنها إلى فناء وزوال، لكن خزائن الله، هي الباقية، وهي التي ما لها من نفاد، هي المداد والامتداد.

كلما نفد منك شيئًا تحبه، طعام، حبرُ قلم، رحيل شخص، اختفاء شعور، تذكر أن ما عندنا ينفد دائمًا، مهما كان كثيرًا، وعظيمًا، وما عند الله سيبقى، وسيظل، فالحمدُ لله ربّ العالمين.

إن مسَّنا الضُرُّ، أو ضاقت بنا الحِيَلُ

فلنْ يخَيبَ لنا في ربِّنا أملُ

وإن أناخت بنا البلوى فإن لنا

ربًّا يُحَوِّلُها عنّا فتنتقلُ

اللهُ في كلِّ خَطبٍ حسبنا وكفى

إليه نرفعُ شكوانا ونبتهلُ

من ذا نلوذُ به في كشف كربتنا

ومن عليه سوى الرحمن نتكلُ

وكيفَ يُرجى سوى الرحمن من أحدٍ

وفي حياضِ نداهُ النهلُ والعَللُ

لا يُرتجى الخيرُ إلا من لديه، ولا

لغيره يُتَوقّى الحادثُ الجللُ

خزائنُ اللهِ تُغني كلَّ مفتقرٍ

وفي يدِ الله للسُّؤَّال ما سألوا*

[القصيدة كاملة-هنا]

You may also like

3 تعليقات

سلمى السناني 11 يناير 2016 - 7:01 م

((كلما نفذ منك شيء تحبه طعام ،حبر قلم ، رحيل شخص ، اختفاء شعور ، تذكر أن ما عندنا ينفد دائما ، مهما كان كثيرا ، وعظيما ، وماعند الله سيبقى وسيظل )) لا فض فوك فعلا فما عندالله خيرا وأبقى الحمدلله

Reply
لينة محروقي 12 يناير 2016 - 1:11 ص

(وإن من شيئ إلا عندنا خزائنه)
سبحان الله، أحيانًا نرغب في شيء ونحلم به ولا يكون لدينا أدنى فكرة عن كيف سنحصل عليه!
أو ربما حتى نتصعب ونستبعد جدا فكرة الحصول عليه حقًا، لكن خزائن الله ملأى بكل شيء، كل شيء.

Reply
إيناس مليباري 12 فبراير 2016 - 8:09 ص

سلمى:
الحمد لله، أنّ الأمر كلّه بيده
وأن ماعنده لا ينفد دائمًا، وأن خزائنه ملأى..
حُييتِ ياغالية : )

لينة:
سبحان الله، المُعطي.
تفكيرنا قاصر، مهما بلغنا من التخطيط عتيًُا!
الحمدلله، أنّ كل شيء، منه ، وله، وبه..

Reply

اترك تعليقا