الرئيسية كَوبُ حَيـاة موجٌ كالظُّلل

موجٌ كالظُّلل

بواسطة إيناس مليباري

موج واحد لكنه لم يكن كأيّ موج عهدته من قبل، إنَّه من عظمته لا تراه إلا كجبالٍ عظيمة! تُظللك حتى تتصاغر نفسك أمامه، لتكن لا شيء أمام تلك العظمة، من موجٍ واحد! ماذا فعل بكَ الموج؟ ماجَ بك! .. ماج البحر، اضطرب وازدحم، وماج الناس.. اضطربوا، وأيّ اضطراب.. بالله أخبرني!

ماذا فعلت “كورونا” بالناس؟ إنني أحدثك عنها من منطلق قوله تعالى:

﴿وَإِذَاغَشِیَهُم مَّوۡجࣱ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِد وَمَایَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا كُلُّ خَتَّارࣲ كَفُورࣲ﴾ [لقمان٣٢]﴾ [لقمان٣٢]

من موجٍ واحد، فزع الناس، وأخذوا مسالك عدّة، ذاك الموج الذي ما كان كسابق الأمواج التي ألِفوها واعتادوها، إنه موج من نوعٍ آخر، من نوع ربما لم ندرسه، لم نعايشه، ربما شاهدناه في الأفلام فظنناه أنه خيال يُضرب، ربما قرأنا شبيه لهذا الموج، لكننا لم نُعِر للأمر انتباهًا، حيث أنه انتهى ومضى.. صحيح أننا درسنا وتعلمنا، لكن لمَ جاء هذا الموج، ماحيًا كل عقائدنا التي آمنَّا بها، والتي كثيرًا ما كنا نعوّل عليها نجاتنا من مهالكٍ كثيرة؟ لمَ خانتنا أنفسنا مع أول إعلان لطُغيان هذا الموج؟

وصف الله هذا الموج بأنه كالظُّلل، موج واحد، والظُّلل جمع، لهوله! فما كان من الناس – ونحن من بينهم- أن دعوا الله، لم يكن دعاء عاديًا، روتينيًا، بل دعوناه مُخلصين، موقنين بالإجابة، وبالمناسبة.. قد لا تكون هذه المرة التي نتوجَّه فيها لله بقلوبٍ حقيقية، فقيرة من كل شيء، تخلّت عن كل شيء كان غاليًا بالنسبة لها، هان في عينها كل مُصاب دون ما هو واقع اليوم.. صحيح أنها ليست المرة الأولى، لكن يشترك الجميع أنها المرة المختلفة، والتي تتطلب “اخلاصًا” ينافي كل ما سبق، ألا يكون اخلاصًا وقتيًا، ألا يكون لأجل مصلحة؛ لنرَ الفرج القريب، والنصر المُبين.

مَن ألقى قلبه وسمعه لما حدث ولما سيحدث – اللهم سلّم سلّم- لا يستوعب حجم كل ذلك، ولا يسع قلبه كل تلك التغييرات والإغلاقات، فمن تعليق عُمرة، لحجرٍ منزلي، لخلوّ مسامعنا من الخُطب.. والله المُستعان، وحده الذي آمن بأن الموج جُند من جنود الله، مَن كان همّه من كل ما يحدث هو “سلامة قلبه” هو الناجي الحقيقي مما قد تورّط فيه الكثير..

في حقيقة الأمر، فإن مَن يحتاج للحجر ، هي تلك الأفئدة التي غرقت في شهواتٍ وشُبهات، غرقت في دوامة الحياة، وأعمالها وأحداثها اللا مُتناهية، لستُ بصدد الحديث عن تعاملنا مع الأوبئة والأزمات، ولا عن عقيدتنا في ذلك، فقد سبقني الكثير..

لكنّ أمرًا واحد سيفصل بيننا، ما بعد محنة “كورونا” سينجلي ما كان يغطيه الغباش! سيميز الله الخبيث من الطيب! ولهذا يبتلينا، ولزمنِ ما بعد البلاء، استفرغ جَهدك من الآن، دونك ما بين يديك، وما بإمكانك القيام به، الزمه، ففيه النجاة بإذن الله، فالمصيبة كلّ المُصيبة أن يكون قلبك قبل زمن البلاء، مساوٍ لحاله بعد البلاء.. اعمل اليوم وفي عينك النهاية، نهاية البلاء، لأي أمر ترغب أن تصل؟ كم حصّل قلبك من نِعم ومِنح؟ من خلوات وصلوات؟ من صُلح وإصلاح؟ وفي هذا فإننا سنكون على صورٍ ثلاث:

… فَمِنۡهُمۡ ظَالمٌ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصد وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ [فاطر ٣٢]

ما بين ظالم لنفسه، بمعاصٍ ما دون الكُفر، ومُقتصد، تساوت حسناته مع سيئاته، وفئة لا تصل إلى ما وصلت إليه إلا بإذن الله وهي من فضل الله عليها وهي السابقة للخيرات، كان شغلها الشاغل المسارعة والاجتهاد للوصول لمرضاة الله.

الكيّس الفطِن من اعتدّ في زمن البلاء بعُدّة حقيقية ونادرة لا تتوافر هذه العُدة سائر السنين، لذا هي نادرة! فإن إنسان اليوم بالكاد يركَن للهدوء ليحُاسب نفسه، ويراجع أولوياته، يعرض ذنوبه على ربه.. ها قد أُذِن لليوم الذي استحلّنا إتيانه، أن يجد الإنسان وقتًا يتسع لكل شيء!! .. اغنم عدّة الجدب، فإنها تصنع منك مؤمنًا صادقًا، يفسّر هذا ما نجد عليه أزمانًا سبقونا، من كانوا يأكلون من زرع يديهم، من كانوا يسكنون من عمل يديهم، من عاشوا المرارة، فلما جاء زمن الرخاء، باتوا يجدونا نعيشُ في رغدٍ وبطر لا نُدرك حقيقته! .. حريّ من اصطحب عدّة الجدب.. ستورق أيامه، وتخصب، وتخضرّ، وإن شحّت موارد من حوله، فينابيع قلبه لا زالت في ارتواء، ذلك الموفَّق الذي كان تردده على قلبه، ما ينفعه فيستزيد منه، وما يضره فيصرفه عنه.

جدّد نيتك في كل ما تقوم به، احتسب، راعِ الحقوق، فلا إفراط ولا تفريط، أوجِد فرقًا يميز يومك عن البارحة، ثم أثمِر انجازًا مُباركًا يُرضي مولاك عنك

أ. دلال قُرنفلة

إنّي لأحبّ أن تكون لي نيّة في كلّ شيء، حتّى في الطعامِ والشراب

أحد السلف

وضَع في الحُسبان، أن “كورونا” ستكون يومًا – بإذن الله – من أيام الله، تتذكر فيها نعم الله ونقمه، تسترجع فيها عقوباته الظاهرة ورحماته الباطنة، كما يقول السعدي.. لكل واحد منّا أيامًا وحوادثًا لا ينساها لربه، كم محنة ظننت أنك هالك فيها لا محالة؟ ثم نجّاك سُبحانه منها، وطفقتَ تذكرها أيامًا كثيرة، ثم نسيتها؟ تجدد أيام الله عليك لئلا تنقطع عنه، لئلا تنجرف. احصد أيامًا كثيرًا شاهدت فيها رحماته وألطافه، تحدّث عنها كثيرًا، وافعل من أجلها أكثر!

اللهم نعوذ بك من كل داء وبلاء، نعوذ بك من كل ما نخاف ونحذر، نستودعك يا الله قلوبنا وإيماننا، فاجعلنا نخرج منها بزيادة إيمان وبربٍ عنّا غير غضبان، والحمدُ لله ربّ العالمين

You may also like

3 تعليقات

نجود 21 مارس 2020 - 8:44 م

أرى المنح الآن وهي كثيرة.
ربي يردنا إليه ردا جميلا
جميلا ❤️

Reply
ريم الغامدي 22 مارس 2020 - 4:17 ص

جميل جدا ♥️
يقول ابن حجر في في كتابه بذل الماعون في فضل الطاعون : “من فوائد الوباء والطواعين :
‏تقصير الأمل ،وتحسين العمل ، واليقظة من الغفلة‏والتزود للرحلة ”
رغم الكرب إلا أن بريق الضوء يشع في العتمة ، فقد تغيرت أمور كثيرة لولا ابتلائنا بهذا البلاء ماكنا لنراها !

اللهم ردنا إليك ردًا جميلا، اللهم ارفع الغمة عن الأمة، اللهم فجرًا نستبشر به عودة صدى تلاوات المساجد ♥️

Reply
أماني أفندي 24 مارس 2020 - 8:53 ص

والله ثم والله ثم والله
إنَّ الله يحبنا ويمحص قلوبنا ويقول سبحانه
(مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)

Reply

اترك تعليقا