الرئيسية كَوبُ حَيـاة * جزء من النصّ مفقود *

* جزء من النصّ مفقود *

بواسطة إيناس مليباري

قد يكون أوّل درس تعلمته في المطبخ مع والدتي، أن العجين إذا “تخمَّرت” أكثر مما يجب، فإنها تفسد! مهما كانت مكوّناتي مميزة، منذ يوم فساد عجينتي الأولى، وأنا أعلم جيدًا- ورغم ذلك فإنني كثيرًا ما أنسى!- أن لكل فكرة، مشروع، عمل، وقت معين ملائم للبدء فيه، والانطلاق، وإذا ما فاته الوقت.. فإنه سيظل في طيّات الصفحات.. ذكرى تُقرأ!

لم يكتمل بعد” الفخ الذي وقع فيه الكثير، الفخ الذي سوّغ للناس تأخيرهم عن إطلاق مشاريعهم، وفك سراح أفكارهم البنَّاءة، مهما صَغُرت، انتظارك لمشروعك حتى يكتمل على الورق، لتبدأه على الحقيقة، صبرك على الفكرة أن تتبلور تمامًا ولا ترضى بها وهي ناقصة… كلها أوهام زائفة وربما حيل نمارسها لأنفسنا؛ لنبرر لها سبب تأخرنا أو تأجيلنا في كل مرة للشروع الحقيقي، لننتقل من الورق للواقع.

في الواقع، كنت واحدة من أولئك الذي ينتظرون تمام الأشياء قبل بدأها، ما حدث هو أني ضيّعت الكثير من الوقت، وأهدرتُ الكثير من الفُرص.. فقلتُ لنفسي يومًا: جربي أن تسيري ولو عرجاء، المهم أن تستمري السير! فكان أوّل ما طبّقته مع نفسي في فترة القرآن مع صغاري في الروضة، مع كثرة الأعباء والمهام و “دوشة الراس” لا يسعني تحضير كل شيء على الوجه الأمثل، بالتفصيل الذي علمنا الله إياه، حدّثتُ نفسي: لا بأس! سييسر الله الأمر. قلتها صادقة، ما لم استوعبه أو أدركه على الحقيقة تيسير الله وفتحه من حيثُ لا أعلم، تيسيره ليس لوقتِ القرآن فقط، بل لسائر يومي! إنها بركة القرآن..

كنتُ اكتفي ربما بتحضير أول لقاء لسورتنا الجديدة، وإذا ما سبقني أحد الصغار، مُستفهمًا عن أمرٍ ما، لم أحضّره بعد، أخبره بأني لم أبحث وفور حصولي على إجابة من كُتب العلم، فإني سأخبرك على الفور بإذن الله.. في المرات التالية، عندما كان غير الأول يسألني، ولا أملك إجابة فأبادر بقول: “اممم…” ، فيرد عني آخر: “لسّا المعلمة ما اتعلّمت عنها..” أقول لنفسي: “الحمدُ لله، طلع الموضوع بسيط!” ، صحيح أن الأمر قد يكون مرهقًا بعض الشيء، فالأفضل لو كان التحضير كاملًا، عوضًا عن التحضير المتقطع، لكنها البركة إن حلّت، أنستكَ كل شيء، تحضير اليوم يكفي ليومان، حتى أنني في كل مرة انتهي من تقديم سورة، تم تحضيرها متقطعة، أتعجب؟ كيف تجاوزنا بفضل الله الكثير من العقبات؟ كيف وصلنا لما نحنُ عليه اليوم؟ إنه الله .. الحمدُ لله كثيرًا

هُناك أمور إذا بدأتها صح، يُتمّمها الله لك

أ. أناهيد السميري

في لقاء حضرته للأستاذة دلال قُرنفلة، توقفتْ عن الكلام فجأة، وقالت: “نسويّ فاصل، تعالي يا آمنة حكّينا، كيف جمعتِ بين النشيد وتعليم القرآن ” أول ما تصورتهُ، لو كنتُ مكانها؟، لستُ جاهزة! قلت: ” لا أحب هذه المواقف المُباغتة! “، كان ما فعلته أبلة آمنة، ابتسمت، صعدت على المسرح، ألقت كلمة في غضوت سبع دقائق، لو جهّزتُ لها ليلة كاملة، لم تأتِ كما أتت على مسامعنا! – حفظها الله.

كم من المواقف التي اختارنا الله لها، لنقول كلمة حق، وبحجج واهية، وفكرة: ” مو جاهزين” ترافقنا في كل موقف، تضيع الفرصة تلو الأخرى.. في كل مرة يصطفيك الله ليستعملك، لتُعلي كلمته، تختار إلا أن تكون مستعدًا أتم الاستعداد وإما فلا!… صاحب الحق، صادق القلب والسريرة، يقبل الفرص ولو كان حضوره أعرجًا، ما دام أن الله اختاره، فهو خير من سيقول، سيعطي، سيعُلّم!

“… سدِّدوا وقاربوا وأبشرُو…”

محمد صلى الله عليه وسلم

وهذا ما نحاول نقله للصغار، وتربيتهم عليه، فإن من الأمور المزعجة للطفل، أن يُخبَر بانتهاء وقت النشاط وهو لم يتمّه بعد! يزبد ويرعد، وتفشل كل المحاولات لتذكيره بحقيقة: لا يمكنك فعل كل شيء، في وقت واحد، لا بأس أن يكون العمل ناقصًا، ونتمه لاحقًا، قد نستشهد بخلقِ الله للسماوات والأرض في ستة أيام، مع قدرته على إتمامها في لحظةٍ واحدة.. ما أقصده أن هذه المشكلة في التفكير، تنشأ في وقتٍ مبكّر جدًا.. ثم تتشكل لتصبح على ما نراه اليوم من عائق في أنفسنا!

كُن جاهزًا على الدوام، استكثر مما تمرّ عليه، من مشاهدٍ وصور، وحكايا مؤثرة، احفظها في قلبك، لتنقلها غدًا في مجلسٍ، وتكن شفيعة لك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.. كم مرّة أشهدك الله مجلسًا، وسمعت فيه حوارًا كان بإمكانك أن تشارك فيه، وبحجة أنك لستَ جاهزًا أو لست متأكدًا من الحديث، تراجعت أن تتصدر الحوار، إذا سكت أهل الحق، فماذا يُنتظَر من أهل الباطل؟

وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُوا۟ مَا یُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتًا﴾ [النساء ٦٦]

لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة

السعدي – رحمهُ الله

في كلّ زمانٍ، في زمان الشدّة والرخاء، انظر ما وظّفك الله عليه، هل أدّيت حقه؟ ولم تتراجع، وتتكاسل، وتعلّق آمالك على المشايخ والعلماء ومن سبقوك! كلٌ ميسّر لما خُلق له.. لا أحد يسدّ ثغرة أحد!

وليَهُن عليك الأمر، فإنّك مُحاسب ما كان في استطاعتك وحَولك، ماكان بمقدورك تقديمه للبشرية، وتقاعست عنه، ما كان بين يديك، وملّكك الله إياه، لكنك استهنت بالأمر ولم تُعطِه قدره، ها هو شُعيب عليه السلام يدعو ربه فيقول:

إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ﴾ [هود ٨٨]

(ما استطعت) ما بلغت إليه استطاعتي وتمكنت منه طاقتي

صدّيق حسن خان – رحمهُ الله

أكتب هذه التدوينة، وأعلم أنها بالإمكان أن تكون أفضل مما كُتبت! لا للمعايير المثالية وطلب الكمال! نعم لقبول الأعمال الناقصة والكتابات البسيطة الصادقة، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، والحمدُ لله رب العالمين

You may also like

2 تعليقات

ريم الغامدي 24 مارس 2020 - 12:26 ص

مهمتنا السعي للكمال و ليس بلوغه، فالكمال لله وحده 🧡
معالجة النية قبل كل عمل مهما كان بسيطًا له بالغ الأثر في تأثيره، والنجاحات الصغيرة تراكمية وهي التي تصنع التغيير .

Reply
أماني أفندي 24 مارس 2020 - 9:04 ص

رجف القلب و لامست كلماتك المشاعر
بارك الله فيك وزادك من فضله 💕

Reply

اترك تعليقا