♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت آنذاك ” مِتنشِنَة ” للحد الذي شعرتُ به بأنه لو اقترب أحدهم مني ، فسيُصاب حتماً ولا ريب بالصعق الكهربائي ، كنتُ أقف قبالة باب الفصل ، والأطفال أمامي يصفطون طابور استعداداً للخروج ، كان بصري شاخصاً نحو الأطفال الذين لم ينضمّوا للطابور بعد ، وفي غمرة تنقل بصري بين هذه وهذا ، لم أشعر بكفّي إلا وهي على شعر عُمر ، الطفل الواقف في أول الطابور ، الواقف أمامي ، صفعني عقلي ، تداركتُ ماحصل خلال جزء من الثانية ، أمسك عُمر بيدي دون أن أشعر ، وضعها فوق رأسه ، ثم حرّك كفّي مُداعِبة شعره ، كما أفعلُ دائماً مع الواقف أمامي ، لا يدري عُمر ما فعلته به مسحة رأسه ، لقد سكبتْ ماء عذباً فُراتاً ، فخمد البُركان الثائر .
انتهي من تقديم المفهوم العلمي في فترة الحلقة ، ويباغتني شعور بأنّ الفوضى التي يُحدثها بعض الأطفال ، تنحرُ ما وددتُ إيصاله ، أتأسفُ لهم بيني وبيني على ما لم أستطع تعليمهم إياه كما ينبغي ، يمرّ اليوم تلوَ اليوم ، وينقضي المفهوم الذي قدّمته قبل أيام أو أسابيع ، وفي حوار خاص جداً بين الأطفال مع بعضهم البعض ، يُهيئ الله سمعي وقلبي ، فتسُوقني قدماي نحوهم ، لأسمع حوارهم عن الشيء الذي تعلموه قبل فترة من الزمن ، الشيء الذي ظننتُ بأنه ذهب هباءً منثوراً . ينحني قلبي ليبتسم دون أن يُظهِر أوردته وشرايينه ، تلك الابتسامة لا تعني إلا شيئاً واحداً : الرضا .
كنتُ أعلمُ بأن ذاكرة الأطفال قوية جداً – حفظهم الله – مالم أكنْ أُدركه إلى أيّ حد يُمكنهم تذكر ما حصل معهم ؟ حدث أن قدمتُ أمامهم تجربة البركان ، ورغم تجربتي لها في المنزل ، إلا أنها لم تنجح في المرة الأولى ، مما جعلهم ينتظرون أطول من المدة التي توقعتها ، ثم وبعد مرور أكثر من شهر ونصف ، قمتُ بإعادة التجربة بإخراجٍ مختلف ، كانت ردة فعلهم بعد انتهاء التجربة : ” يا أبلة هادي التجربة زي اللي ما زبطت معاكي أول ” ، هذا إلى جانب تذكرهم لموقف ” المعلمة التي قفزت فوق الدولاب ” كلما دخلنا للفصل نفسه بقول عبد الله حين يرمقني بنظرة لؤم قائلاً : ” تتزكري يا أبلة لما نطيتي عشان الوزغة ؟ ” حسناً في كلا المرات التي يُعايروني فيها أطفالي بالمواقف ” البشعة ” أضحك بشدة . أعتقد بأن الله يسخر لنا المواقف المحرجة ، لتكون ذكرى مُضحكة وجميلة جداً ، كما يحدث معي .
كل مافعله هؤلاء الصغار ، إخمادهم للبركان الثائر ، رضا قلبي ، الضحك بشدة .. بإمكان الكبار أن يفعلون هذا من أجلنا ولكن قد تأتينا بشقّ الأنفس ، لكنها تأتيني دون أن أطلبها من الصغار . في زمنٍ أصبح التعليم مهنة من لا مهنة له ، فإنني لا أغبط كل معلم ومعلمة . إنني أغبط المعلمين والمعلمات الذين واللاتي يمتهنون التعليم ويستشعرون بعظم ما تقوم به قلوبهم قبل جوارحهم . أغبطكم على أشياء كثيرة وأغبطُ نفسي أيضاً ، على كل الأشياء الجميلة التي نحصل عليها غير الراتب ! أغبطُنا على ما لم يشعروا به بقية المعلمين والمعلمات .