أبلة إيناس مع أطفال الروضة : )
عيناي ترقبان مؤشر الوقود ذا اللون الأحمر، لم أنطق ولكن عيناي فعلت! أجابت: “لاتخافي السيّارة محا توقّف حتى لو كان مؤشّر البنزين أحمر!… هذا البنزين يوصّلنا لمكة!”
قد يُظنّ أن أجود العمل ينتج عندما يكون الإنسان مرتاح البال، طيّب الخاطر، لا تكدّره الظروف ولا يعكّر صفو مِزاجه أمر، لكن مما أشهدنيه الله خلال العام الماضي وحتى اللحظة أن بمقدور المرء أن يُنجز أعماله ومهماته بطاقته المُنخفضة!
مهما ظنّ أنه عاجز بزاده القليل، وطاقته المحدودة، لكنه فور وقوفه في الميدان، سيجدُ كلّ شيء كما تركه، وبانتظاره ليتمّ ما بدأه.. تواجده في الميدان اضطرارًا لا اختيارًا سيسهم في تسريع القدرة على تجاوز العقبات وتقريب الفجوات بينه وبين الحياة!
قد يظل المزاج كما هو، لكن مع كل حركة لبدنه، فإنّه يصحح مسار قلبه ويعيده للاتّجاه الذي خُلق له!
الفأل وعدم الاستسلام للحزن، لعل هذا أحد أهم وصايا القرآن: ألا نستميت في الحزن وإن استدعت الأسباب لذلك. وليُعلم بأنه من أعظم العطايا: الرضا عن الله، وفيه جبر للقلب ❤️
وصدق من قال: ” في الحركة بركة”
وجدتُ في حركتي اليومية سلوى وأنسًا، الحمدُ لله الذي يلهمنا ما ينفعنا ويدفع عنّا شر أنفسنا وشر الأحزان ❤️ ولعل هذا مما أحرصُ على تعليمه صغاري في الرّوضة، يحدث أن يداهمني أحدهم بقوله: “معلمة طفشان، تعبان، زعلان،…الخ” إذ يرون حينها أن العذر أوسع! أفاجئهم بردّي بأنه لا بأس من التعلم وممارسة ما اعتدت عليه وأنت تشعر بالملل وعدم الرغبة في النشاط والحركة! اكتفِ بالحضور ولا تُشارك، وقد أسمح له بالجلوس على كرسي في أقصى الفصل بينما يتحلّق أصحابه حول المعلمة أرضًا على السجادة. ولا أجدُ حرجًا من منح الطفل ذا المزاج المتعكر فُسحة من تصفح قصّة أو الرسم بينما نعطي الدرس.
في كل هاتف محمول خاصية “نمط البطارية المنخفضة” قد لا تبدو بحاجة إليها وأنت في الرخاء والأمور على ما يُرام، لكن ما إن تفقد مصدر الطاقة وتنخفض بطارية هاتفك، تسارع لتحويل وضع الهاتف لنمط البطارية المنخفضة، والذي يحفظ لك أكبر قدر ممكن من بقاء الهاتف مفتوحًا، وستكون أغلى أمانيك هو وجود مصدر طاقة لإعادة شحن هاتفك!
كذا الحال مع طاقة قلبك النفسية، أخبرني.. أثمّة سالِم من بيننا من تقلّبات الأقدار وصوارف الدهر؟ إنّها تفعل في الإنسان الأعاجيب،! تقلب موازينه وتحوّله من عزيز لذليل إن لم يتدارك وضعه! تكمن النّجاة حينها في حفاظه على ما تبقى من عُمره وهو بإيمانه وهمّته لئلا يخبو بريقه. من الناس ما إن تُصيبه المصيبة فإنه يعتزل الناس ويصمت، ومنهم من يكثر مخالطتهم ويكثر المجاملة على حسابِ نفسه وشعوره، والخير في الموازنة بينهم.
تذكّر ” نمط الطاقة المنخفضة” كلّما خارت قواك وفَترت همّتك لأي سبب، مرض، فقد، ضيق، همّ، ملل، احمل نفسك على الوقوف كلما أوشكت الاستسلام، بلا مزيدٍ من الضغط، لا تجبر نفسك على أن تكون بخيرٍ طوال الوقت، ابتسم ما استطعت، تكلم ما قدرت، أحسِن ثم أحسِن، يحسنُ الله إليك!
في سنواتٍ مضت أذكُر أول مرة قررتُ فيها الذهاب للدوام بربطة رأسي “الفوشية” أعلمُ أن وجودها بعد الله سيجعل يومي يمرّ بسلام لكن شعور الإحراج يسيطر علي، ومع مضي اليوم بسلام اعتاد الأطفال ومن حولي على نمطي المنخفض! فيسارع الصغار بقول: “سلامتك يامعلمة، محا نتعّبك اليوم” وعلى الأغلب فإنّهم لا يفعلون.
في الشهر الماضي ما أكثر ما شاهد الأطفال انطفاء معلمتهم وكثرة تعذّرها من اللعب معهم بينما تكتفِ بالتّبسم لهم واشباعهم بالأحضان، وكلّما لمحوا خلفية هاتفي- والتي وضعتُ فيها صورة والدتي عافاها الله- يقولون: ” كيف حال أمّتك؟” يقصدون: أمّك. وفي الأوقات التي أشعر فيها بخفّة ونشاط أعوّضهم عمّا فات ما استطعتُ، فتارة نصنع حليب بالشوكولاته، وتارة أستجيب لأمنية أحدهم، وأخرى نضحك ونلعب بدون تخطيط، وكذا تسير الحياة بين مدّ وجزر
وفي هذا يقول تعالى:
﴿ٱنفِرُوا۟ خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا وَجَـٰهِدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [التوبة ٤١]
يعلّمنا الله في هذه الآية العمل في العُسر واليسر، في المنشطِ والمكره، والحرّ والبرد، وفي جميع الأحوال كما يقول السعدي- رحمه الله. بينما أنت سائر في يومك وحياتك استحضِرها لتجمع شتات نفسك ثم تتكئ على إيمانك ويقينك، وتمشي بلا هرولة! المُهم أن تنفر أيًا كانت الظروف والأحوال.
نهاية: كُن لطيفًا مع نفسك في أوقات المزاج المنخض، لكن.. إياك ثم إيّاك عن التوقف!
اللهم رب النّاس، اذهب البأس، اشفِ أمّي أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يُغادر سقمًا