فوضى مُنظّمة !
♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رغم ما يشعر به ، في قرارة جوفه ، قرر أن يتجاهله ، ويُجاهد نحو أن يكون سعيداً ، أو – على الأقل – أن يبدو كذلك . هُو متيقنّ بأن الله وحده يعلم ما يعتلجه ، ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) الأحزاب – 37 ، ويعلم من جُملة ما يعلمه ، أنه يُؤجر في كل مُجاهدة نفس ، في كل أمر سيء خفيّ ، بادٍ لمولاه ، لكنه أرسلها لجوفه ليلوكها خفية .
في أربعاءه المُنصرم ، واجهته خطوبٌ ثلاث ، في الخطب الأول ، أغلق هاتفه ، واصطنع الحديث مع من يشاركونه الجلوس ، في الثاني أيضاً كان من هاتفه ! سُحقاً ! أ كل ما يسيء لنا ، نعرفه بالهاتف ؟ أو أننا اعتدنا أن نلقي باللوم على شيء لا نستطيع مُحاسبته ، الزمن ، الهاتف ، الجيل … ! العلّة فينا وما نعترف ! غفر الله لنا أمرنا وإسرافنا في أمرنا و .. مُداراتنا لسَوءاتِنا !
مكّنه الله أن يرّقع خطبه الثاني ، وجاءت الثالثة وكانت وجهاً لوجه ، جيشاً لجيش ! لكنه هذه المرة لم يُغلقها هو ؛ لأن الخطب أمامه ! تمنى لو كان على هاتفه ؛ ليرمِ به بعيداً .. ولا يكتفِ بإغلاقه ! تلقّى أسهماً تترى ، ثم وجد أنه وحيدًا في الساحة .. لا يعلم ما يصنع عدا أن يصمت …
تذكّر أنهم يقولون ( الثالثة ثابتة ) ، وكانت هذه المواجهة ، الخطب الثالث ، الثابت !
ولأن الله لا يترك أحداً يتخبط أبداً ، فقد سخّر له الله الحل ، المرفأ الذي هو بحاجة إليه ، ليس لحدوث خطوبه الثلاث ، بل لما قبل الخطوب ، ولما بعدها ..
قال عمر رضي الله عنه لأحد التابعين :
لا يشغلنّك الناس عن ذات نفسك ، فإن الأمر يخلُص إليك دونهم
كم مرة انشغلت بالناس ؟ ونسيت نفسك ؟ زاحمتهم أفكارهم وشاركتهم ما لا ينبغي مُشاركته ، ونسيت إياك ؟ نسيت أن تتذكر أن لك نفساً لها عليك حقًا .
كم مرة ألقيتَ بالاً لكلمات لو قِستها بميزان الآخرة لكان وزنها أخف من الريشة ! وبميزان جبل أُحد ، لو كان ميزانها الدُنيا الفانية . كم مرّة جُرحنا ، أنهكنا أفئدتنا بأقوال من يرشقونا بسهام ثم .. ، ينامون قريري العين ؟
وحيث كان هو حاضراً ، فقد كنتُ أجاوره الحضور ، سمعناها – حفظها الله – حين قالت إجابة على السائلة التي سألتها فيمن يُجاهد في كلّ صلاة لكي يخشع ، لكنه لا يخشع ؟
أخبرَتها بأنها ذكّرتها بثابت البناني ، حين قال :
جاهدتُ في الصلاة عشرين عاماً ، وتلذذتُ بها عشرين عامًا !
طالما أن المرء على الطريق المستقيم ، ويُحاسب نفسه ، فقد وصل ، حتى ولو لم يرَ الأثر الذي يُريد أن يراه . مادخل مجاهدة النفس في الذي يشعر به ؟ الذي كان بجواري ، وجاورته بحضوري !
يُجاهد لأن يتغافل ، كي يؤجر أولاً ، وتطيب دُنياه ثانيًا . التغافل الحل السهل الممتنع ! الذي شوّهناه حين أصبح من يتغافل ، هو الضعيف الذي لا يستطيع أن يقتصّ ممن اعتدى على قلبه ! أصبحنا في سوء ، حين استبدلنا مفردة ” تغَافَل ” حين نبدي رأينا لصديق يحتاج مشورتنا ، فننصحه بأن : ” يطنّش ” !
كُن كرجل كان يمضي طريقه ، ارتطم بكرة طائرة ، نظر إليها ، ثم أكمل سيره ، ذلك هو التغافل يا من كنت حاضرة بحضورك ، أن تتنبه لما قيل ، لما حدث ، قد يؤلم ، وقد يترك أثرًا ، لكن امضِ ، والله هو الجبّار ، هو اللطيف الرؤوف .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك
لجاري الذي أحببته منذ أن عرفته ، اقرأ ما قاله السعدي في تفسير الآية ، وخُذ منها ما يعنيك
فلما أيس من قومه وأبيه قال: { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ} أي: أنتم وأصنامكم { وَأَدْعُو رَبِّي ْ} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة { عَسَى أن لا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ْ} أي: عسى الله أن يسعدني بإجابة دعائي، وقبول أعمالي، .وهذه وظيفة من أيس ممن دعاهم، فاتبعوا أهواءهم، فلم تنجع فيهم المواعظ، فأصروا في طغيانهم يعمهون، أن يشتغل بإصلاح نفسه، ويرجو القبول من ربه، ويعتزل الشر وأهله.