♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجد المرء من حوله، أشياء كثيرة لا يستطيع الحصول عليها، وربما أشياء أخرى قريبة منه، لكنّه لا يستطيع استخدامها واستثمارها كما يفعل الآخرون من حوله! قد لا يستطيع الواحد منّا إسعاد مَن حوله في أوقات اضطراب قلبه، وقد لا يجيد مشاركة الآخرين حين تُسلب فرحته، لا يستطيع أن يواسي، ولا يستطيع تطبيق معنى أن يُسدّد ويقارب.
الإنسان الذي يستطيع فعل أشياء كثيرة، تجد بداخله أمورًا هو يعرف بأنه لا يستطيع فعلها، لكنك لم تعرف بهذا؛ لأنه تجاوز ما لا يعرف بالذي يعرف ويُتقن. لهذا فإنك حين تقابل إنسانًا من هذا النوع، يغمرك شعور قد لا تستطيع تسميته أيضًا! لكنه شعور غير جميل!
الله لمّا خلق الناس، علم أنْ سيكون فيهم ضعفًا ووهنًا، وأمورًا أخرى حبيسة في كل قلب، يعلم بأن هذه الأمور ستكون فينا، وبأننا سنكون في مواقف ما في حياتنا، نقول بأننا لا نستطيع. لكنْ بالكاد لم تكن هذه يومًا مشيئة الله! أن يكون الواحد منا غير مُستطيعًا لأمر ما ثم يتطور الأمر ويصبح الأمر أمران، حتى تتناسل وتكون المُحصّلة: غير مستطيع لأمور كثيرة!
في القرآن الكريم، تجد لفظة ( الاستطاعة) وردت في غير موضع، لكن الله في مواطن كثيرة، عطف عدم الاستطاعة، بأمر آخر، سمّه إن شئت، بديل للذي لم تقدر عليه،الله يحبّ المؤمن القوي.
يقول تعالى فَمَن: (لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)- [المجادلة:4]
ويقول جلّ شأنه: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)- [ آل عمران:97]
وقوله: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا )-[ الكهف:75]
وقوله سُبحانه: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ)- [ النساء : 25 ]
ومن أعظم الأمور التي قرنها الله بالاستطاعة، التقوى! يقول سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )- [ التغابن:16]
يقول السعدي رحمه الله في تفسيره:
فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم “.
ويقول الطنطاوي أيضًا في تفسيره لذاتِ الآية:
قال الآلوسى: أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت أقدامهم. فأنزل الله هذه الآية فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ تخفيفا على المسلمين .
– فاتقوا الله مدة استطاعتكم في كل ما تأتون وما تذرون، واعلموا أنه- تعالى- يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ومن الأحاديث التي وردت في معنى الآية الكريمة، ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقننى «فيما استطعت» .
منّا مَن يعلم في نفسه القوة لفعل أمر ما، لكنه يخدع حوله وما هو بخادعٍ إلا نفسه! فتجده يتعلل بكونه عاجز، لأي سبب من الأسباب. المستطيع الذي يدّعي عدم الاستطاعة، عليه إعادة النظر في كافة أمور حياته!
يقول تعالى في المُنافقين: (لو استطعنا لخرجنا معكم)- [ التوبة : 43 ]، الله علم كذبهم في عدم استطاعتهم التي ادّعوها! لا تكن من هؤلاء!
ومن بيننا أيضًا، من لا يدع لنفسه فرصة خوض التجربة، مالم تكن تؤدّي لهلاك روحه، فقد يكون قادرًا وفيه قدرات أودعها الله وخصّها به، لكنه لما حجز عن التجربة، ظنّ نفسه غير مستطيع، هذا أيضًا عليه أن يجرّب، حتى يكتشف، فيندهش!
وآخرون، يصدُقون في عدم الاستطاعة، لكن عدم الاستطاعة تكفيهم، هؤلاء لا يضرهم شيء، لكن، ثمّة مرتبة أعلى! وهم غير المُستطيعين الذين تجاوزوا مالا يُطيقونه، للذي بحدود إمكاناتهم.
وهذا ما علّمه الرسول صلّى الله عليه وسلم، أصحابه، فهاهو تارة يقول:”من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه”.
ويقول صلوات الله وسلامهُ عليه لعمران بن حصين : ” صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا ، فإن لم تستطع فعلى جنب”.
في كل أمر لا تستطيعه، ثق بأنه ثمة أمر يقابله، بإمكانك فعله، حتى لو كان هذا الذي تستطيعه هو الصبر على مالم تستطعه! المهم أن يكون هذا الوعي لديك، بأنك تملك أشياء لا تعرف كيف تكون لها مُستطيعًا، لكن في كل مرة تمرّ عليك إحداها، فكّر كيف يكون لهذا الذي عجزت عنه، شيء يقابله، تتقنه؟ وتؤجر عليه.
في مرات كثيرة، يقدّر الله للإنسان، أقدار، يظنها لوهلة من قوّتها وشدّتها أنها أكثر من الحد الذي يُطيقه! قد لا تكون هذه الأقدار سيئة، حتى النعم قد يشعر الإنسان بأنه عاجز أن يستخدمها كما يحبّ ربنا ويرضى، منّا من يخشى أن تغيّره النعمة، كما تغيّر المصائب الكثير منّا!
في كل لحظة تمرّ علينا ياربّ شبيهة بهذه، ذكّرنا بقولك الذي هوّنت به على أفئدتنا، وعلى طمئنتك الربّانية، حين قلتَ سبحانك: ( ..ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)- [البقرة:286].
الذي يحاول أن يكون مستطيعًا، يجد من نفسه همّة، مصدرها توفيقًا من الله، وهداية للسُبل التي تجعله يعلم ويوقن جيدًا أنه ثمّة عوالم كثيرة في داخله، ممكنة له، لم يكتشفها بعد، حصل له هذا؛ لأنه صدق الله، فأصدَقه.
تعلّمتُ من أناس من حولي، ليسوا ذوو شهرة، لكن تعلمت منهم كيف أنهم وجدوا في أنفسهم الخير الكثير، فكأن خيرهم فاض عنهم، فرغبوا في اغتراف الناس الذين حولهم، منه.
قارنتُ نفسي ببعض الذين قابلتهم، حين عُرضت عليّ نفس المسألة التي عرضتها عليهم، في يومٍ ما، لكن ردة الفعل كانت مختلفة، قد يكون جوابي للسائل: ” لا أعرف” وفي الحقيقة أكون لستُ بعارفة للمسألة، لكن كنتُ أعلم ، أنني قادرة على أن أقوم بقليل من البحث، على الأقل؛حتى أخبر السائل بمن يستطيع مساعدته.أحيله للجهة التي هو بحاجة إليها، لكني لم أفعل، ولما كنتُ أنا السائلة، أغاظني جواب ” لا أعرف” وسرّني الذين قدّموا لي مساعدات رغم عدم معرفتهم الكاملة لما أحتاج!
تعلّمتُ منذ ذلك الحين، أن أقلّل جوانب عدم استطاعتي، بالتسديد والمقاربة، الإنسان لمّا يحاول أن يجد ثغرة في الشيء الذي لا يعرفه، سيجد ولو نقطة تائهة، يعرفها، قد تكون هذه النقطة، هي المفقودة للسائل.
وحين جرّبتُ ذلك شخصيًا،ذات مرّة، استشارتني إحداهنّ في سلوك طفلها، وكنتُ لما سُئلتُ عنه، جاهلة! في البداية أخبرتها بأني ( لا أعرف) الحل الجذري، لكني سأخبرها بنقاط عامة، وأمور مشابهة وكيف واجهنا من واقعنا نحن المعلمات، فاجئني قولها، بأنّ ماقلته لها، هو كلّ ماكانت تحتاجُ سماعه!
وثانية تسأل عن تصميم المدونات، الأمر الذي رغم أني أمتلكه، إلا أني أجهله أيضًا! لكني علّمني الله كيف أحيل الأمر لمن يفيدها أكثر، بحثتُ قليلًا من أجلها، حتى جمعتُ لها مراجع تفيدها.
وفي أوقات كثيرة، أشعر بأني أودّ فعل أمور كثيرة، لكني لا أستطيع، لأسباب كثيرة ومختلفة! ضيق وقت، كسل، تسويف …الخ، وجدتُ الحل في اختيار البديل، حتى لو تطلب الأمر لتصغير الفعل، المهم أن أفعل شيء أستطيعه، تعلمت أن أكتب منشورات على الفيس بوك!عوضًا عن مقالات تحتاج لوقت يجعلني أختلق الأسباب، تعلّمت أن انتقي الأنشطة التي أجهزها لأبناء أختي في احتفالاتنا، تعلّمت أن أحتفظ بأقوال وأحاديث وآيات بتفسير مبسط، تناسب مواقف مختلفة، فحين تحدثني إحدى الصديقات ولا أملك ما أقوله، أبادر بفتح ذلك المستند وأجد فيه ضالتي، حتى لا أكون غير مستطيعة لفعل شيء لها. افعل أي شيء مهما كان صغيرًا مقابل ما يفعله غيرك، المهم ألا تكثر في قلبك الأشياء التي لا تستطيع فعلها، فتعتاد عدم الفعل.
قد يكون لهذا الحديث تتمة، وقد لا يكون، المهم أني كتبت 🙂