♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية قناديل ملك الجليل تمّكنت مني بطريقة لم تكن بالحسبان ، هذه الرواية التي تتحدث عن التاريخ الفلسطيني في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، هذه الرواية التي تصوّر لك معانٍ كثيرة ، من بينها : معنى أن يسخرك الله للناس ، لهدايتهم ، دون أن تخطط يوماً لذلك ! فهذا ما بدأه ظاهر العُمر – بطل الرواية – حين أصرّ إخوته على تسليمه منصب أبيه بعد وفاته .
استطاع إبراهيم نصر الله أن ينقلك من رغد العيش إلى شظف الحياة ، ومعاناتها من خلال لغة الكتاب بالغة القوة ، دون أن تُدرك ذلك بطريقة واضحة ، لكنه جعل بينك وبين قلب ظاهر جسرٌ موصول ، لتتقطسّ كيف يشعر القائد ، الذي قد يظنه أكثرُ من حوله ، بأن أفكاره ومخططاته ، وانتصاراته التي يخطط لها ، ما هي إلا أمور حتمية !
تُطلعك هذه الرواية على حقيقة سعي الحاكم القائد على نشر الأمن وإعمار الأرض ، واستخلافها وفقما يتناسب مع العصر . وأن من عمروا الأرض بالخير لم يكونوا قطّ يملكون كتاباً يقرؤونه مدوناً بالأفكار ! لكنهم شقّوا الطريق بأنفسهم ، والتمسوا للنصر دروباً . كما تُطلعك على حقيقة الإنسان ، واحتياجاته التي بتحققها يتوازن ، وبفقدانها ، يتأرجح ! تُطلعك كم أن الإنسان مهما انتصر ، وسبقته سُمعته يظل يحنو للكلمة الطيبة ، ويشتاق لمن يضخه بالحب ، هوَ وإن كان لا يبحثُ لذلك لكنه يدري كما يدري من حوله بأن ما يأتيه مِن حوله يدعمه ، ويقوّي وهنه ، ويشدّ من أزره ، تماماً كما كانت تفعلُ نجمة الأم الثانية لظاهر كما وصفها ، وكما كانت المرأة التي أحبّها تفعلُ به دون أن يلتقيا .
النية الطيبة الصادقة ، والعزيمة القوية والإصرار الثابت هم ركائز أساسية لانتصارات ظاهر ، هذه الركائز من جعلت معونة الله له من خلال تسخيره للناس الصادقون الداعمون في حياته ، وإلهامه بالخطوة التالية التي كان يُقدم عليها بكل ثبات وكأنه يعلم بأنه منتصر ، إنه يصوّر لك كيف أن الحق والسعي له مرتبط بثقة النصر ، ولا مقعد للخوف !
ظاهر القائد ، ظاهر الحاكم ، ظاهر مُتسلِّم الدولة ، كلّ تلك المسميات لم تكن لتُثنيه لأن يتطقس على حال قلوب أصحابه ، ومن أحبّهم ، إنه يزاحم وقته ليشاركهم ما يتوقون له – بنظرتهم لا بنظرته – حدث أن كانت مدينته مُحاصرة ، العدو من أمامهم ، ومن خلفهم ، ومن فوقهم القذائف ، ومن تحت أرجلهم وجلتْ الأرض خائفة ! حين علم ظاهر بأن اليوم يوافق عيد زواج أحد جنوده المقربين له ، أمره بأن يحتفل مع زوجته ! رفض ظاهر أن يسمع جواباً غير الموافقة ، أخبره بطريقة جميلة بأن حُثالة كهؤلاء لا يريدون سوى أن يبثوا الخوف في أنفسنا ، أن يجعلونا نتنازل على أن نفرح ، لقد أخبر صديقه بأننا سنمضي في حياتنا الطبيعية مع أصوات القذائف !
لم تكن حياته خالية من الصراعات ، وأعني بالصراعات على الصعيدين ؛ الصعيد الذي خاض من أجله الحروب ، والصعيد القلبي ! فعلى الصعيد الأول ، تجدهُ ثابتاً لا يتزعزع ، ولا يقبل دون أن ينتصر ، يرفض أن يذعن أو يستسلم ولو كان على حساب رأسه حتى ظننتُ بأنه ينبغي على كل ملك ألا يتنازل ، لكنه وبعد بلوغه الثّمانين ، وحين انقلب كثير من أبناءه ضده ! حين انضموا لجيوش أعداءه ، وكان هدفهم : رأس ظاهر ! اضطر لأكثر من مرتين لأن يُرخي الحبل ويخرج من مدينته ، ليحمي نفسه . لكنه لم يكن ضعيفاً أبداً ، إنه لا يخشى الموت ؛ حيثُ أنه مدرك بأنه ميتٌ لا محالة ، لكنه خرج لأنه يعلمُ يقيناً بأن فلسطين وما تعدّاها بحاجة له ، لإنسان لا يخاف في الله لومة لائم .
خيانة أبناءه له رغم أنه احتاج لوقت ليس بقصير ليدرك ذلك ، ويستوعب فكرة أن ينفصل الظّفر عن اللحم الذي هو أصل منه وفيه ! لكنه لم ينحاز يوماً لأياً منهم ، فإذا وجد بأن من مصلحة الناس أن تُقطع رأس أحد أبناءه ، لفعل ! حدث أن بلغه بأن أحد أبناءه قد اعترض طريق امرأة ، أمر بجنده أن يعلقوا هذا الأخير بحبل المشنقة ، وأن يضعوا تحته كرسياً ، لحين أن تقرر المرأة ، أتعفو عنه أم يُشنق ! ظاهر في هذه الحادثة كان يُدرك بأن العواطف إن لم يضبطها لأحالت الوضع إلى عواصف .
وعلى الصعيد القلبي والعاطفي ، فإنك لا تجده يُنهي حُباً ، أو يقتل شوقاً ، بل إنه يدعم كثيراً ، يُصالح ويوفّق ، حتى أن له كلمة جميلة قالها لصديقه بِشر الذي أحبّته ابنة عمّه حين تردد في أن يتزوجها بسبب فقره : ” نمْ هذه الليلة ، ولكن عليكَ أن تعرف أنك لن تكون صاحبي ولن تطأ عتبة بيتي إن كسرتَ قلب تلك الفتاة التي انتظرتكَ وأحنيتَ جبينها “ .
تجرّع ظاهر – مكرهاً – الخيانة ، كطفل قد أحكمتْ أمه يداه وكلّ جسمه ليشرب الدواء العلقم دون أن يرغب بذلك ! انسلّ أبناءه واحداً تلو الآخر من بين يديه – وقلبه ! – كما خانه الصديق ، قائد الجيش ، الذي كان يمينُ ظاهر ، وصوته ، ومستشاره ، رغم كل هذا انتهت حياة عُمر على يدي هذا الخائن الذي لم يكن ليستحق أن يحظى بمكانة كتلك التي حظي بها في قلب ظاهر ! سيكون هذا أصعب مقطع مضطراً أنت لأن تُتمه ، حين يَنهى أحد الجنود المقربين لظاهر بأن يثق بالدنكزلي بهذا القدر ! حيثُ أن قلبه غير مطمئن لكل الصلاحيات التي يهبها ظاهر له . لكنّ ظاهر رفض هذا الرأي وأنهاه بقوله بأنه يثق بهذا الدنكزلي أكثر من ثقته في أبناءه ، زجره الجندي ثانية ، وذكّره بأن أبناءه قد خانوه من قبل ، لم يُضف ظاهر الكثير ، عدا أنه قال : لكن الدنكزلي لا يفعل ذلك .
مات ظاهر ، وقُطعت رأسه ، لكنه أنشأ لفلسطين كيان سياسي ، وقضى على الحكم التركي البائر الظالم ، وأحيا في قلوبنا معانٍ لو تأملناها لكنا خيرة خلق الله في أمورٍ كثيرة . مات ظاهر ، وأحياني !
مقتبسات :
♪ الذي تستطيع اللّحاق به ماشياً ، لا تركض خلفه .
♪ القنديل الذي سترى في ضوئِه العالم ، عليكَ أن تُشعله بنفسك .
♪ الأصيل لا يطلبُ ثمناً لأصالته ، فالثّمن هو ذلك الإحساس الذي منحهُ لنفسه لكونه أصيلاً .
♪ في الخيلِ عزّة ، لا يستطيعُ الإنسان أن يفهمها ، إنها تحزنُ ولا تبوح ، وتتألّم ولا تنكسر !
♪ الذكريات هي الشيء الوحيد الذي يُمكن أن يتغلّب به البشر على الزمن ؛ لأنهم يؤكّدون لأنفسهم بها ، أنهم لم يكونوا مجرد عابرين لهذه الحياة .
♪ اليوم الذي لك ، لا يُمكن أن تُراهن على أنه سيكون لك غداً .
♪ لا تهزم مهزوماً مرة أخرى ، ففي الأولى يفهمُ أنك هزمته كجنديّ ، أما في الثانية فإنك ستهزمهُ كإنسان ، وبهذا لن يغفر لك !
♪ والله لو وقف بباب قلبي رجلان ، رجلُ عادل من أيّ مذهب أو ملة أو دين ، ومُسلم ظالم ، لأسكنتُ الأول قلبي ، وطردتُ الثاني !
♪ ما تستطيع الحصول عليه بالسّلم ، لا تخضْ من أجلهِ حرباً !