♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تكَد تراها ، رُغم أنّ مسكنها قلبك ، تقتات منك ، فتنمو فيك ، وما تشعر ، حتى من حولك بالمُناسبة ، لن يشعروا أن كائناً أو مجموعة من الكائنات تعيش بداخلك ، منذ أن أصبحتَ بالغاً ، من حولك أيضاً أولئك الذين لا يعلمون عن الكائنات المستوطنة قلبك ، هم أيضاً يمتلكون كائناً أو كائنات تعيش بدواخلهم ! وبنفس طريقتك ، لا يشعرون بها ، ولا يشعرون بأنها نَمت ، وبدأت تتضخم ، باختلاف مسمى كائِنك وكائنهم ، المُهم أنكم مشتركون في الأمر عينه .
تستيقظ هذه الكائنات في قلبك إذا اصطدمت بما لم تعتده ، فتجدها تقفز من الهدوء والسكينة التي جعلتك وجعلت من حولك لا يشعرون بها ، إلى أن تثور . وأمّا حال كائنات من حولك ، فلنفترض أنهم اصطدموا بذات الشيء الذي اصطدم به كائنك ، إلا أنّها قد لا تثور بالطريقة التي ثار بها كائنك ، بذات الطريقة التي ثُرت بها ، فما الذي حدث ؟
مبادئك التي تؤمن بها ، تعيش يداخلك ، اختارت أن تستوطن القلب ؛ لعلمها أن تلك العضلة هي المُحرك الأساسي نحو أن تعيش ، وكذلك هي – المبادئ – المحرك الأساسي لكل واحدٍ منا – رغم عدم شعورنا بها – نحو كلّ أفعالنا .
المبادئ هي منظومة أخلاق وقيم ، لا تعيش بداخلنا فجأة ، بل هي كفسيلة كانت بداخلنا منذ أن كنّا أطفالاً ، الوالدين ، المدرسة ، الإعلام كلّ أؤلئك قاموا بغرسها ، بغض النظر عن صحتها أو خطئها ، المهم أنهم غرسوها فينا دون أن نشعر . تبدأ فسائل المبادئ بالنمو والبزوغ كلما تقدّمنا في العمر ، منّا من بدت له مبادئه ، فعلم معدن هذه المبادئ ، ومنّا من ظلت مبادئه حبيسة قلبه ، حيث أنها عارضت أموراً كثيرة بعد أن بلغ واشتدّ عُوده .
أولئك الذين عرفوا مبادئهم ، هم من ساق الله لهم المواقف والأزمات ، والتي تمثل الجبل الجليدي الذي اصطدم بالمبادئ ، فتظهر المبادئ على شكل تصرف يقرر أن يتصرفه هذا الإنسان ، والذي إن كان مبدأه موافق لما شرعه الله ، نصفه بأنه : صاحب مبدأ .
وأما من ظلت مبادئهم حبيسة في دواخلهم ، فهم أولئك الذين يظنون أن لهم مبادئ متينة ، لكن فور اصطدام المبدأ بموقف أو أزمة ، تجده يتضعضع للوراء ، لِما حدث له سببين : إما أن يكون مبدأه خاطئاً ، فالمبدأ الذي هو مُعتنقه تمّ بناؤه بعد تجربة أو مجموعة مواقف فقرر أن ” يخترع” مبدأ موافقاً لهواه ! فكان جديراً بهذا الهوى أن ” يهوي ” به في قاع سحيق ! أو أن يكون مبدأه صحيح ، مغروس فيه منذ صغره ، لكنه لم يُنمّيه ، ويؤمن به كما ينبغي ، كأن يعلم أن الله يراه ، هو يعلم أن الله حقّ ، وبأن الذي خلق الظلام ، يراه ، لكنه في حقيقة الأمر لا يشعر ولا يستشعر حقيقة ذلك ، رغم ادّعاءاته لمن حوله بأنه : صاحب مبدأ .
أصحاب المبادئ الحقّة ، المُستمدة من كتاب الله وسنته ، يعيشون في صراع أيضاً ، صراع بين ما يؤمنون به ، وبين ما يشعرون به تجاه مواقف يقدّرها الله لهم ، تجدهم مُخيرين بين أن يمضوا قدماً نحو طأطأة الرأس حتى تتجاوزهم تلك الأزمة ، فتكون عاقبة تلك الطأطأة غذاء للمبدأ وتنمية لها ، إذا نوى بها ارضاء الله . فانظر إلى سعد بن أبي وقاص :
كان من أحسن الناس برًّا بأمه وقد نزلت فيه هذه الآية: {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت8] قال: كنت برًّا بأمي فلما أسلمتُ قالت: يا سعد! ما هذا الدين قد أحدثت؟! لَتَدَعَنَّ دينَك هذا أو لا آكل ولا أشرب؛ حتى أموت فتُعَيَّر بِي فيُقال: يا قَاتِلَ أُمِّهِ، قلت: لا تفعلي يا أُمَّه إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثتْ يومًا لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمَّه! تعلمين والله لو كان لك مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت دينى، إن شئتِ فَكُلِي أو لا تأْكُلِي.. فلما رأت ذلك أكَلَتْ” -أخرجها أحمد 1617، مسلم 1748، الترمذي 3189- اهـ – مقال : أَصْحَابُ المَبَادِئِ وبَاعَتُهَا فِي تَارِيْخِ الأُمَّةِ وشِرْعَتِهَا / عماد حسن أبو العينين .
يمتحن الله أصحاب المبادئ بصنوف الابتلاءات ، فتارة يرسل لهم من يشككهم بصدق مايؤمنون به بطريقة غير مُباشرة ، كأن يأتيه آتٍ يخبره بأنه من الطبيعي أن يقوم بفعل معين ، ويستشهد الأخير بنماذج يعرفاناها هذان الاثنان ، قاموا بذات الأمر ، ولم تتغير حياتهم ! يكون الأخير لا يؤمن بما يعتقده صاحب المبدأ ، فيحاول جاهداً أن يجعله ينزلق ، وتنحدر مبادئه ، قد لا يكون الفاعل ينوي بفعلته شراً ، قد يكون حسن النية ، لكن الله لم يفتح على قلبه بعد ، فاختلط الحابل على النابل من مبادئه ، فبات يرى الحق باطلاً والباطل حقاً . وقد يأتيك بغواية الشيطان وضعف النفس ، لمَ يفعل الآخرون هذا الأمر ؟ وموفقون في حياتهم ؟ حينها تتذكر كل الأشخاص الذين نعتوك بأنّك “معقّد” فقد لأنك رفضت فعل أمر معين لا يوافق مبدأك الذي ينمو بداخلك في كل مرة ترفض فعل أمر أو توافق على أمر يخالف هواك ويرضي الله .
صاحب المبدأ يعلم أنه يمتلك مبادئ مبنية على أرض صلبة ، لكنه قد لا يعلم بأنه قد يخسر أموراً يحبها بسبب إيمانه الراسخ هذا ، وبين علمه وعدم علمه ، يشاء الله له أن يقرر ما هو عليه ، أن يمضي قدمًا نحو تغذية مبدأه ، فينمو ويصبح للحق حليفاً ، أو أن ينسحب من الأمر برمته ، تأتي مشيئة الله له بحدوث أمر مفاجئ له ، هو مؤمن ، لكنه يُحب ! والخيار عسير .. وبين إيمانه ومحبته لما يُحب ، تقع الكثير من المُفارقات التي لا يعلمها إلا الله ، ولا يعاني منها إلا هو ، قد يخسر صاحب المبدأ ما يحب بنظر من حوله ، لكنه يعلم أنه ارتفع قدراً من الأرض ، ارتفاع يدنيه من السماء ، ويقصيه من وحل الأرض .
لسكان الأرض كافة ، ولقلبي ، فلنتأمل قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]
كُن صاحب مبدأ في الحياة ، تغنَم