السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانتْ معي ومعهم، مرّ الموقف الأوّل بالنسبةِ لها، سريعًا، عاديًا، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لي! توالت المواقف، وتركيزها لا زال معي ومعهم، أمّا أنا فقد أصبح تركيزي معهم، ثمّ معها.
بينما هي تحدّثني وتتصرف بتلقائية جميلة مع أبناءها، أخذتني ذاكرتي في رحلةٍ لأناس كثر جالستُهم، كنّ أمهات مثلها، لكنهن بالفعل في مواقف عادية لأيّ أم، لم يكنّ كما رأيتُ صديقتي.
تعدّ القهوة وتحدثني، بينما تصرخ صغيرتها في الغرفة المجاورة: ” ماما انكبّ العصير، روشيني”… أكملتْ حديثها، وكأنّ شيئًا لم يكنْ، توجهت نحو معدات التنظيف، أحضرت الاسفنجة، ظلت تمسح السجّاد، وتُكمل حديثها معي!..
ظلّت صغيرتها تردد بشكلٍ قد يبدو لمن لم تعتَد أذناه على الصغار، مزعج! “ماما روّشيني” … تركتني، بعد أن أعطتني القهوة وقالت لي: ” اسبقيني واشربي” هكذا ببساطة! دقائق معدودة وانتهت قصة تردد الصغيرة علينا، نامت.
أكثر ما شدّني، هو تذكرها لوعودها مع أبناءها، وتذكّرها بأنها في ظل وجود ” الضيف” هي أمّ أيضًا، أيًا كان الضيف، ومهما كانتْ الظروف.
تحدّثني، ثم يأتيها الأوّل، تعطيه من القُبلات والحنان، كأنها تراه للمرة الأولى، وأنا… استمتع بجميلِ المنظر، وصدق الشّعور!
يخبرها بشكواه، تستدعي ابنها الثاني، تسوّي الأمر بينهما بالاتّفاق، ينتهي الأمر لها، تستطرد: “إيوا ايش كنا نقول يا إيناس؟”
بالكاد استرجع حبل حديثنا، لجمال ما رأيت، ونُدرته!
أم أخرى، لا أعرفها، شاهدتها قِبالة أحد المحلات، تنتظر انتهاء الصلاة، يُرافقها ابنها الصغير، الوقت يمرّ بطيئًا، والناس تزدحم، وطفلها شعر بالضجر، ألقتْ “برستيجها” جانبًا، وبدأت تلعب معه بكفيها وتردد معه نغمات يبدو أنهما يألفانها، تغيّرت ملامح الصغير، وأكاد أجزم أنه تمنى لو أن المحل لن يُفتح!
رغم أن الكثير منّا حدّق ناظريه تجاهها، وأنا أوّلهم، لكننا لم نكن نعني لها شيئًا، كانتْ كل ما تراه، صغيرها.
أنا لستُ أمًا، لكن أشعر بجزء كبير من معاناةِ الأمهات، خصوصًا في الأماكنِ العامّة، وفي حضرة الضيوف، أعلم أيضًا أن الأم كثيرًا ماتضطر لاستخدام نبرة حادة، على مرأى ومسمع ممن لا تعرفهم، قد تضطر المسكينة لسحب يد الطفل بقوة، فينعتها من يراها بالقسوة، وهي ليستْ كذلك لكن ضيق الوقت وأسباب أخرى جعلتها تتصرف على النّحو الذي… نراه دائمًا.
وهي لاتُلام، لكن، ثمّة أمور بمثابة الوقاية لحدوث أمور كثيرة مزعجة من الطفل، اتفاقات صغيرة، تعقدها الأم بينها وبينه، قد تحدّ من عواقب ما لا يُحمد.
مع العلم أنّ ليس كل الاتّفاقات تؤتي أكلها، لكن من المهم أن نسعى ونأخذ بالأسباب.
كنتُ برفقة ابنة أختي، وقد كنا أجرينا اتفاقاتٍ ثلاث، قبل مغادرتنا المنزل، وفي زحام المكان واكتظاظه بالأطفال، تزاحمت المشاعر، ونقضت الميثاق، فما كان مني إلا أن صرختُ عليها لا شعوريًا!
مضتْ في طريقها، ثم وكأني تداركتُ موقفي، ناديتها، احتضنتها، ذكّرتها بالاتفاق أولًا، شرحتُ لها سبب رفضي لطلبها ثانيًا، اقترحتُ لها بديل أعجبها، ثالثًا، انتهى الموقف.
الاعتماد على الفطرة في التربية، وعلى قاعدة ” كما ربّونا.. نربّي” لا تصح! العلم أولًا، التربية كأي شيء، تأتي بالعلم.
في هذه التدوينة لا أملك الكثير من الحديث، لكن الواقع المُشاهد في أمورِ التربية، يحثّني على كتابة الكثير الذي لا أعرف صياغته!