♪ ♫
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يعلم الإنسان منّا ماشاء الله له أن يعلم في شأنٍ من شؤون الحياة والدين ، وقد يكون أيضاً من الناصحين لكثيرِ مُخطئين قد ضلّوا الطريق ، قد يكون هذا الإنسان ” المُتكئ ” هو كلّ ما يحتاجه من ضلّ الطريق ، ربمّا لعلمه ، أو لطريقته في النصح ، أو لأي سبب ، لكنه يجد نفسه المُنقذ دائماً ، ودون أن يشعر ، يحدث أن تتبلورَ في فؤاده فكرة أنه لن يقع فيما وقع فيه الآخرون . لأنه الناصح المنقذ وعكاز المُنكسرين ! ولأنه قد يظن أنّ احتكاكه بتجربة من حوله مِن المُذنبين والمُخطئين قد كفته وأغنته من أن يُعمّق شيئاً فيه لم يُخيّل إليه أنه رغم كل المساعدات التي يقدمها إلا أنها : معرفة سطحية !
تجري أقدار الله كما لم تشتهيه الأفئدة ، يقع صاحبنا فيما كان لغيره من الناصحين ، ورغم وقوعه ، لكنه في بداية انزلاقه لا يعلم أنه قد انزلق ، إذ أن الشيطان يزيّن لكل امرئ بحسب مدخله ، رغم علم الناصح المنقذ ، لكن الله أعمى بصيرته لطالما كانت نيّرة في أوقاتٍ كثيرة ، أعماها المولى لخيرٍ يُريده بعبده ، خير في نهاية الأمر ، ” شرّ ” في بدايته كما قد يصفه صاحبنا ومن حوله .
بعد أن يجعل الله حلاوة ” الذنب ” تجري في أوردة صاحبنا فيتنفس بها ، يُسخّر له السبل لأن يُدرك ما هو فيه ، أو مما أوقع نفسه به . بمشيئته وتدبيره . إذ أن الله لا يُحاسب أي إنسان على ذنب اقترفه إلا وقد أعلمه بأي طريقة بأن ما يفعله خاطئ، وكذلك حال المشركين والكافرين ، فيُقبل من يُقبل ويُدبر ومن يُدبر . المهم أنّ صاحبنا قد تخبّط بين علمه ويقينه بتاريخ نصحه ، وبين اللذة ، لذة الذنب ، وبين هذا وذاك ، يسير صاحبنا الهُوينا نحو أن يقرر ما سيؤول إليه أمره ، أمر قلبه ، ودينه الذي أوشك أن يتصدع شيء من جداره .
قد نعلم – وما أكثر علمنا هذا ! – أننا مُذنبون ، ورغم استمرار دعائنا أن يصرف الله عنا ما أوقعنا قلوبنا به ، لكننا لا نزال نمضي في الذنب نفسه ، بل ويتعدى الأمر بأن نتفنن في طرق اقترافه . نزعم حين نمضي ، أننا سنجُاري الذنب لحين إجابة الله لدعوتنا ، التي دعوناها بقلب صادق كما نزعم ! ونجهل أو نتجاهل أن الله لا يصرف عن العبد أمراً ولا يُدنيه منه إلا بعمل واحد فقط صادق يجده فينا ثم يسهّل لنا ماقد رجوناه به.
من نواميس الله في هذا الكون أنه قد ينفضّ من حولك عنك حين ” تظنّ ” أنك في أشد الحاجة لهم ، والله بقدره هذا يُريد أن يقويّك به ، أن تشدّ أزرك به ، وأن تُشركه ما أنت فيه ، مما استعصى عليك مُفارقته لحلاوة ماتجدهُ منه . في انفضاض الناس عنك ، تجدُ أنك تشق طريقك وحدك بمعونة الله ، إذا علم الله فيك صدق النية .
” ما من عبد مؤمن إلا و له ذنب ، يعتاده الفينة بعد الفينة ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه ، حتى يفارق الدنيا ،
إن المؤمن خلق مفتنا ، توابا ، نسيا ، إذا ذكر ذكر ” [الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 5735 خلاصة حكم المحدث: صحيح].
تجد في ذنبك ، صنوف البلاء ، وتُدرك من خلال تجربتك التي لازلتَ تمرّ بها ، لمَ كان يُعرِض عنك بعض ممن كانوا قد سبقوك بالذنب عينه ، تُدرك في ذنبك هذا مالم تكن مُدركه لولا تقدير السميع العليم .
رغم دعائك المستمر ، ورغم بُعدك عن الذنب ساعة ، واقترافه لساعات ، لا تجدُ معنى حقيقياً للتوبة قد تحقق في غيرك ولم يتحقق فيك ، تبحث في نفسك ، تُنكر ما أنت عليه ، قد تظن أنك قد فعلت كل السبل ، سددت كل الثغرات التي قد تؤدي للذنب ، نحو أن تعود ، تُحاول أن تجعل كل ما يهيئ الذنب لك في أقصى ما يمكن لعينك وقلبك أن يصلا إليه . ورغم ذلك لازلت تشعر بأنك متصل به ؟ لازالت هناك أعمال قلبية قد تكون مُنشغلاً عنها ، الله يريد منك صدق سريرتك ، ودمعة خشية وتوبة ، تعينك على أن تستعيد استقامة طريقك الذي قد ضللته بإرادة منك .
كيف تعلم أن الله قبل توبتك ؟ في مقطع مؤثر للشيخ وسيم يوسف يقول إجابة على السؤال – بتصرف :
إذا وُفقّت للطاعات ، إذا رأيتَ من نفسك إقبالاً لكل خير ، فاعلم أن الله قبل توبتك . أما إذا ” ظننت ” أنك تُبت ولم تستلذ بطاعة ولا بفعل الخيرات ، فارجع لقلبك .
العبرة ليست في أن تتوب ، الله لا يريد منك أن تتصدق وتصلي وقلبك منجم من الفحم ! تجدُ أكثر من يدخل الجنة بنقاء قلوبهم لا بأعمالهم ، رجل أخّر شوكة ، شكر الله له ، أدخله الجنة ! امرأة بغي سقت كلباً أدخلها الله الجنة !
( .. إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) الله يريد منك قلبك الذي في صدرك ، الرجل الذي قتل 99 نفساً ! ثم أكمل المائة نفساً ، هذا الرجل لم يسجد لله سجدة واحدة ! فقط يعلم أن الله يريد منه أن يتوب ، يريد أن يعلم الدين ، فقط عزم على التوبة وما صدرت منه طاعة ، مات على الطريق ، فأمر الله بتغيير تضاريس الأرض حين أمر القرية الفاسدة بأن تُبعد والقرية الصالحة بأن تقترب ! لأنه علم بصدق توبته . صدق الرجل في قلبه قبل جوارحه .
الله لا يريد منك أن تستكثر الأعمال ، قبل أن يشعّ قلبك بالنور ، اغسل قلبك كل يوم من كل سوء ، من كل ضغينة ومن كل عمل تعلم أن الله لا يحبه ، كما تغسل بقية أمورك كل ليلة !
حين تجدُ للتوبة معنى في قلبك ، تصغر كل أمور الدنيا في قلبك ، تشعر أن قلبك قد حجّ في معرفة الله التوّاب الغفّار ، تشعر لو بالإمكان أن يكون ما تشعر به مرئياً للناظرين ! بتوبتك من ذنبك تشعر بأن الله قد خدّرك حين فصلك عنه ، حين فُصلت الكاف عنك ، فأصبح ” ذنباً ” لا ” ذنبك ” . التائب يستكثر الاستغفار ثم الحمد ، كما يستغفره المُستغفرون وكما يحمدهُ الحامدون ، لكن في استغفاره و حمده مآرب أخرى لا يعلمها إلا الله الذي يعلم السرّ وأخفى .
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : ” جَالِسُوا التَّوَّابِينَ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ شَيْءٍ أَفْئِدَةً ” – حديث موقوف .
إذا أردت أن تأخذ الصواب ، فخذه عمّن أخطأ – مصطفى صادق الرافعي . حين تُجالس التائب الذي أخطأ ، تجده على غير ما اعتدته منه ، تجد فيه ما كان فكرك يستحيل أن يجده فيه ، ولا تدري أن بعض الذنوب تُقرّبنا من الله زُلفى .
وعودة إلى صاحبنا الذي خشي على جداره من أن يتصدع ، ولأنه قرر مشي الهُوينا في توبته إلى الله ، فكان يُخطئ ويتوب ، ويتوب ويُخطئ حتى رأى برهان ربه . (هنالك ) وجد من نفسه غير نفسه ، ووجد في فعلته غير فعلته ، فوثب من مقامه وهرول إلى الله !
زكريا عليه السلام ، أكرمه الله حين أرشده على ( هنالك ) ، يقول الطبري في تفسيره :
عن ابن عباس، قال: فلما رأى ذلك زكريا – يعني فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف – عند مريم قال: إنّ الذي يأتي بهذا مريمَ في غير زمانه، قادرٌ أن يرزقني ولدًا، قال الله عز وجل: ” هنالك دعا زكريا ربه “، قال: فذلك حين دعا.
يسخر الله لنا لحظات كثيرة نتلمّس فيها كرم الله لنا ، تكون بمثابة البرهان الذي يُنير العتمة ، فيحقق الله ما تمنيت حدوثه من سنين، تحيّن ( هُنالك ) كلما قدّرها الله لك وفطنتَ لها ، فهي وربك البرهان منه على أن تنتقص الفرص فيحقق لك ما عجزت عن تحقيقه بمفردك .
للعائدون من الذنب ، الحاجّون بمعرفة الله ،كلما همّت قلوبكم بالتضعضع ، اطلبوا الله أن يذكركم : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11] . يقول الشنقطيني في كتابه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن :
بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا .
والمعنى : أنه لا يسلب قوما نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : ذلك بأن الله لم يك [ ص: 237 ] مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الآية [ 8 \ 53 ] ، وقوله : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ 42 \ 30 ] .
اللهم إن تركنا مانحبّ لما تُحبّ ، فاخلف علينا بما نُحب