الرئيسية كَوبُ حَيـاة تَدارك، دارك!

تَدارك، دارك!

بواسطة إيناس مليباري

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

balance

قد ترفضه، يلفَظه عقلك، رغم أنه تملّك قلبك! تملّكه قلبك؛ لأنه وافق أشياء كثيرة، تحبها، فوجدتَ فيه ضالتك، وقد لا تكون ضالة، لكن هذا الذي أعجبك، وافق هواك.. لفظَه عقلك؛ لأنه رأى حقيقة الأمر، فأعلمكَ بأنه لن يدوم طويلًا! أنت لما يعجبك شيئًا، تريد الاستمتاع به أطول فترة مُمكنة، لكن، لماذا لن يدوم طويلًا؟! أرأيتَ إن رأيتَ بناء شامخًا، كان الناس ينظرون لجمال شكله، تصميمه، بينما أنت، عيناك لا تنفكان عن النظر لأصله، قاعدته، وجدتها أصغر من أن تتحمل كل ثِقل الطوابق! أنت تعلم بعقلك، أن البنايات الشاهقة، تحتاج لقاعدة عريضة؛ حتى تتزن، ولا تسقط، وإن تجاهل البنّاء هذه الحقيقة، سينهار البناء، بينا هو مُستمتع بالشكل!

أذكر حُرقة الأطفال، عند فراغَهم من بناءهم بالمكعبات، ثم يضع أحدهم قطعة، لم يحسب لها حسابًا، يسقط البناء، وتنهار الفرحة التي بدأت للتوّ.

هذا الذي يحدث في قلب الإنسان، يُهندِم بناء قلبه، يحرص على انتقاء أجود التصاميم، التي يعلم جيّدًا أنها ستدوم طويلًا، وبعد اكتمال بناءه، واستيفاء كل المعاني التي بنظره تكون الزاد؛ ليُكمل سيره في هذه الحياة، يصنع صنيعًا واحدًا – وما أكثر ما نستصغر الأفعال والأقوال!- لا يهدم قلبه فحسبْ، بل يهدم الروح التي كانت بمثابة البنّاء الذي كدّ وتعب.

منّا من يسارع بالترميم، وتدارك الوضع، قبل أن يزداد الحُطام، حُطام.. فيكون ترميمه، ليس للإصلاح الفوري، بل بمراجعة ما سبق، ليس للخطوة الأخيرة، قد لا يكن الخطأ في آخر شخص تعرف عليه، فتغيرت أمور كثيرة فيه، قد لا يكن في الوظيفة التي قرر تركها، هو من سبّب التغير الذي لم يرغب به، لكن قد يكون ثمة أمور سابقة، تسبق الحدث الأخير، والتي هي “القشة الذي قصمت ظهره” تلك السوابق، كانت على شفا جُرف هارٍ، فلما جاء الحدث الجديد، انهارت كل الأشياء.

ومنّا من يُصلح، لكنه يكتفي بإصلاح القطعة الأخيرة، الحدث الأخير، الشخص الأخير، الوظيفة الجديدة، ظنًا منه أنها السبب في كل ما جرى له. ولا يدري الأخير بأن معانٍ سابقة في بناء روحه، كانت تحت الأنقاض، ربما كان يعلم بوجودها، لكنه آثر البناء فوقها، بناء معانٍ جديدة، وربما لم يكن يعلم بوجودها، فلما انهار البناء، وجد ماكان لا يعلمه، عيانًا.

من رحمةِ الرحيم، أنه يُرسل لنا إشارات وعلامات، بطرقٍ كثيرة، قبل أن تنهار أمور ومعانٍ عزيزة على قلوبنا، لو التقط الواحد منّا، تلك الهزّة الخفية، التي قد تأتيه وهو يضحك وسط رفاقه، أو وهو مسترخٍ، ولا شيء يشغله، ينتفض لتلك الهزّة، رغم أن محيطه هادئ، لا أحد يشعر بتلك الهزّة سواه، قد تكون بداية انهيار، لو تداركها، سيكون حاله تمامًا كالذي لاحظ حاجة أحدهم لمساعدته قبل سقوط أشياء كثيرة، كانت بيده، فيركض نحوه مسرعًا، حتى يُمسك ببقية الأشياء حتى لا يخسرها.

كيف يتدارك الإنسان قلبه؟ كيف يُعيد لفؤاده الاتزان، الذي كان شعاره بينه وبين نفسه؟ في الأمور المادية، يسهل عليك الحُكم فيما إن كان البناء متزنًا، أم بحاجة لتعديل، لتدارك سريع، لكن في القلوب، الأمر مختلف، يظهر اتزانك من عدمه، عند تعرضك للمواقف، عند اختلاطك بالناس، الناس الذين لا سبيل للعيش دونك، تخيّل أنهم العامل الأساسي لمعرفة كثير مما تُخفيه في قلبك!

كان من دعاء النبّي- صلّ الله عليه وسلم، حتى يحقق التوازن لروحه، حتى يتدارك داره من الانهيار:

” اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الغنى والفقر …” رواه النسائي

يارب، أرشدنا، دُلّنا.. عليك، أنِر بصائرنا، وأعد كل مفقود، لقلوبنا

 

You may also like

2 تعليقات

اماني افندي 4 مايو 2016 - 1:15 ص

جميل معبر وواقعي …
هكذا تصقل الشخصية ومن هنا ينال القلب القوة ونكتسب الخبرات
ونصبح اقوى واجمل واكثر بصيرة .
قبلاتي

Reply
ابو جنى 4 مايو 2016 - 3:39 م

حين قرأت المقال وجدت ان معانيه تعج بخبرات السنين فلن يكتب مثل هذا من قبل عشريني او ثلاثيني ولو لم تكوني اختي واعرف عمرك فلن اصدق
ما شاء الله تبارك الله
استمري وفقك الله

Reply

اترك رداً على اماني افندي إلغاء الرد