ودٌ معمور

بواسطة إيناس مليباري

♪ 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حنان منان

كثيرون هم الذين يدّعون معرفته، وقلّة من يفقهونه . من يدّعيه ، هو لا يعرف منه إلا رَسمه ، ظاهره فقط ، ويظن بأنه لما رأى سطحه ، فقد أدرك لذّته وحلاوته ! أما القلّة الذين نقّبوا عنه ، اجتهدوا وجاهدوا ؛ حتى ينالوه ، ويظفروا به ، فهم الذين أكرمهم الباري بتلك اللّذة الحقّة .

حين تستشعر بأن الله هو حُبّك الأول والأكبر في حياتك ، سترى الدنيا في كل عام لك فيها ، بشكل جديد ، ستعيش الدنيا وكأنك تعيشها لأول مرة . ولأنك أحببته ، فإنه يهبك صفاء البصيرة ، التي تُمكنك بفضله من التقاط كل ما يُرسله لك . كل ما يسخّره لقلبك حتى تنعم بحياة طيّبة . الرسائل التي بينك وبين الله ، هي الحب الحقيقي الذي ما فطن له كثير من خلقِه .

حين تكون فطِنًا، فتعلم أن ما سخّره لك على يد أحد عباده ، لتنعم بما كنت تشتهيه من طعام  ، رغم عدم اخبارك لما تشتهيه ، أحد ، فذلك تودد العظيم لك ، حتى تصلك رسالته ، بأنه الودود الذي يعلم حاجات نفسك ، ويقضيها بودّه . يُجري كافة شؤونك من خلال تسخيره عباده لك . سبحانه ما ألطفه ، أكرمه .

حين يمنع عنك ما تُريد ، قد تغضب وتُمزجر في المنع الأول ! لكنك – حتمًا – في الثانية والثالثة ، سيستقرّ في قلبك بأنه القابض الذي يقبض عنك ما لا يصلح لك ، رغم تعلقك بالشيء . ثم يُرضيك الباسط  ببسطه وعطاياه ، من حيث لا تحتسب للعطاء حسابًا .

حين تعلم أن ثمة من يتربّص بك ، لو لم تكن تعلم أن الله هو وحده الكافي ، من سيكفيك ، فلن تهنأ بعيشك . ولم تتبع علمك بالكافي بأنه الوكيل ، الذي جعلك توكل إليه كل أمر عجزت عن تدبيره ، وكل أمر كنت تعتقد بأنك بخبرتك وقدرتك أنّك قادر على اتمامه دون الاستعانة به ، يُعرقل لك انجازه ؛ حتى تُدرك بأنه تجاوزته ، وخلَصت بنفسك ! سبحانه المُربي .

في كل قدر يقدّره الله لنا ، هو بمثابة قطعة بناء بيننا وبينه ، ردّة فعلنا وقرارنا ومشاعرنا تجاه ما نمر به وما نعيشه ، وما كُتب لنا ، نحن من نقرر إما بناءً وإعمار ، أو هدمًا ! من يقرر أن يعمر ما بينه وبين الله ، سيعينه الله بإرسال له ما يحتاجه حتى يعلو بناءه ، إلى أن يلقاه ، ولو طال عمر الإنسان ، فلن ينتهي من بناءه ، لكنه من الممكن أن يزيد في شموخه نحو أن يكون صرحًا يحبه الله ، فيزيده من فضله .

من يقرر أن يعمر الودّ بينه وبين الله ، فلن يكون ذلك باليسير ، ستأتيه قطع يلفظُها بالهدم ! في كل استعتاب للقدر ، كان بينه وبين نفسه ، لكن الله العليم ، البصير ، يعلم خائنة الأعين ، وما تُخفي الصدور ، هو بها عليم .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ” – رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 

الذي يعمر ودّه مع الله ، يحبّ الله فيه أنه يهدم مرة ويبني مرّات ، والعكس صحيح أيضاً . للإعمار لذّات كُثر ، من بينها ، أنك تُخطئ مرة وتصيب مرة . حين تعود لله مُنيباً ، وقد أخطأت في حقه ، يكون شعورك مختلفاً ، أكثر صدقًا . وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه :

” جَالِسُوا التَّوَّابِينَ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ” – رواه  عون بن عبد الله – رواه ابن أبى الدنيا في التوبة 

كلنا نصلي ، كلنا نصوم ، كلنا نفعل الصالحات من الأعمال ، بفضله وكرمه ، لكن حين تنوي فعل ما تفعله كل يوم ، بنية اعمار بينك وبين الله ، سيكون وقعه على قلبك مختلفاً ، سيُخالجك شعور بأنك تُصلي لأول مرة ، وتمنع الطعام عن نفسك لأول مرة ، وتتصدق لأول مرة ، ستكون للطاعات معنى أكثر جمالًا ، حين تغيّر نيتك قبل فعلها ، وتعيش تفاصيلها بما يفتح الله لك . تشعر بتفتقّ مكامن جديدة فيك لم تكن مُدركها لولا نية اعمارك هذه ، وتوفيق الله لك أن تنويها أصلاً !

في عُمرة اعمار الودّ بيني وبينه ، ولأول مرة أكرمني الكريم بالجلوس بداخل حِجر إسماعيل ، لم أكن أدعو ، كما كانت الجالسات بجواري ، كان بصري شاخصًا نحو الكعبة ، وقلبي يلهج بذكره وشُكره ، تأملّت ولأول مرة كل ما كُتب في ستار الكعبة ، ورحت أقُلّب الخطوط ببصري من اليمين إلى اليسار ، وكأن في عيني حبرًا يكتب ما كُتب !

( ياحنّان يا منّان ) ، وجدتُها ! كان التأكد من أن اللفظتين المتكررتين على ستار الكعبة من أمتع اللحظات . وحين فككتُ تداخلاتها ، غُصت في معنى رحمة الله في كونه حنّانًا ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا … ) [ مريم – 19 ]، وفي اسمه المنّان ، حين قرأتهما شعرتُ و كأنني أعلم لأول مرة أن الله حنّانًا منّانًا . وإني لأحسبُ تلك التأملات يسيرة الحدوث ، عظيمة المعنى من باب اعمار الود .

الحمد لله القابض  على عدم تيسيره لي أن أكون من حجاجه ، الحمد لله الكافي الذي كفاني ماكان يشغلني ولا أملك تدبيره ، الحمد لله الودود الذي يتودد ويعطف ويرحم ، الحمد لله النصير ، الذي نصرني ولا زال ينصرني على أهواء نفسي ، الحمد لله الحفيظ الذي حفظني من سوءات كادت تهوي بس سبيعًا خريفًا ، الحمد لله الجبّار الذي ضمّد ولطف حين قدّر ، الحمد لله الشكور ، الذي يقبل القليل من عباده مقابل كل أفضاله ، الحمد لله الباسط الذي بسط علينا بصحة أبي – نوفمبر الرجاء ، الحمد له أن عقِب قبضه ، جميل بسطه . الحمد لله المنّان الذي أتمّ على مدونتي خمسة أعوام .

جزاك الله خيراً   أقولها لمن وكّلت الوكيل أن يُجازيهم بأكثر مما يستحقونه ، فريق ماس ديراينرز ، المدون محمد ، المدونة مها . 

فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ        وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وليت الذي بيني وبينك عامر      و بيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين      فكل الذي فوق التراب تــراب

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات

11.11.2014 

You may also like

6 تعليقات

دعاء 11 نوفمبر 2014 - 12:42 ص

اسأل العلي القدير ان يديم فضله ويبارك لك فيماتخطين

Reply
هبة زيلعي 11 نوفمبر 2014 - 3:38 م

ماشاء الله
وفقكِ الله لما يحبه ويرضاه

Reply
لينة محروقي 11 نوفمبر 2014 - 5:09 م

من أجمل وأقرب ما كتبتِ إلى القلوب :))
أحببت جدا فكرة أحوالنا مع أقدارنا وعلاقة ذلك بالهدم أو الإعمار!
زاد الله قلبك إعمارًا يقارب السماء :))

Reply
حمد 14 نوفمبر 2014 - 10:24 ص

ماشاء الله

كلماتك أثرت فيني جداً

بارك الله فيك

Reply
رويدة 14 ديسمبر 2014 - 11:44 م

ودٌ معمور
في البيت المعمور
وعمار الدنيا يبدأ من عمارالقلوب (لفتة جميلة)
مع الله تعالى الهدم عمار! معنى عميييق
ابتهالات ودوووودة
أن نحمد الله تعالى بذكر أحوالنا وأدق تفاصيل
هي عندنا جُلّ النعم ؛ لنا وحدنا
(الحمد لله الباسط الذي بسط علينا بصحة أبي….)

Reply
إيناس مليباري 9 يناير 2015 - 9:08 م

دعاء :
آمين ، ولك بالمثل : )

أ. هبة :
آمين ، جعلنا الله من الموفقين لما يحبه : )

لينة :
آمين ، جعلنا الله عُمّارًا لقلوبنا ، ولأرضنا التي استخلفنا فيها : )

حمد :
وبارك فيك ، أهلًا بك

رويدة :
الحمد له حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحبّ ويرضى : )
أحب حضورك رويدتي ()

Reply

اترك رداً على حمد إلغاء الرد