الرئيسية أبلة إيناس ! ” سويت حمّام ” !

” سويت حمّام ” !

بواسطة إيناس مليباري

♪ 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

writer

تلقّيتُ الخبر كالصاعقة ، الخبر الذي لم يطرأ حتى مجرّد خاطرة عابرة ! حين سألتُها كنت أسألها وأنا أعلم الإجابة ولكن من باب الاطمئنان أكثر جاء سؤالي لها ، فكانت إجابتها الخبر الذي لم يكن في الحسبان ! ” إيناس انتي معلمة روضة أول ” .

حقيقة لم أستغرق وقتًا طويلاً لأتقبل أو أعترض ، حفتني ألطاف الله الخفية ، ورغم أنه الخبر الذي لم يكن في الحُسبان ، إلا أنني رفضتُ إلا أن أُكمل فيه قبل أن أخوض تجربته .

بدأت تربية الله وتهذيبه لي باكتشافي بأن أطفال كثيرون يرتدون ” الحفاضة ” وبحاجة لتعليمهم ” الحمام ” ، الأمر الذي لم أفكر فيه يومًا ، لم يخطر على بالي يوماً كيف يتعلم الطفل أن يطلب دورة المياه حين يحتاج لذلك ؟ رغم معايشتي لابنة أختي لبعض الأوقات لكن لم تصلني ” المعاناة ” إلا حين قُدّرت أن نعيشها ساعة بساعة .

كان يتعيّن علينا أن يدخل جميع الأطفال ” الحمام ” كل ساعة . المُضحك هو توصيات أمهاتهم لنا بأن نُحضر جوائز تحفيزية لمن يذهب للـ” حمام ” ويحافظ على نظافة ملابسه . حسنًا في الحقيقة فعلت أفنان ذلك من قبل توصياتهم ، وكنتُ أقول ما بالها تهتم كثيراً بهذا الموضوع ، فسيذهبون للـ ” حمام ” ولاحاجة لتضخيم الموضوع !

كانوا يستمتعون بذهابهم ، وحين يعودون للفصل ، يهتفون لأصدقائهم ” سوووويت حمّام ” !! وكنا نحتفل معهم بالتصفيق و” تكريم ” الفاعل ، ويحوز في نهاية الأمر على ” استكر ” !! وحين تأتيهم أمهاتهم يكون أول ما تسأله : ” رحت الحمام ” ؟ وإذا كانت الإجابة بنعم ، تُكمل الأم طقوس الاحتفال الذي ابتدأناه .

وسط انشغالنا بموضوع ” الحمام ” كنتُ أشعر بالفقد ، فقدي للأطفال الكبار جدًا في عيني وفي قلبي ، أطفال التمهيدي الذين لا يحتاجون كلّ هذا الجهد في التوجيه ، أفتقد أن استغرق ساعة طويلة لتحضير حلقة واحدة تُقدّم خلال نصف ساعة ! أفتقد أن نفتح حوارات ونقاشات حول موضوع يشدهم ، فنتشارك البحث ويأتوني بما يُدهشوني بمعرفته . لله دُرّها من سنين جميلة مضت ..

شاهدتُ كيف تقدّم الحلقة لهؤلاء الصغار ، وجاء دوري للتطبيق ، كان موضوع الحلقة عن مواصفات الإنسان واختلاف ألواننا وأطوالنا ، عرضتُ أول صورة ، لشخصين أحدهما طويل جداً والآخر قصير . سألتهم من الطويل ؟ وكنت أشير بيدي للأعلى ، كان سقف توقعاتي عالي جداً ! أجابني أحدهم : ” يلعبو كرة سلة ” وقال آخر : ” ليه لابس أحمر ” وتبعتهم ثالثة:  ” ليه يضحك ” نظرت لأفنان نظرة استجداء ، فأومأت لي بأن أُكمل وأكملت وأنا أشعر بأني كمن يتحدث مع نفسه ، وكل واحد منهم في وادٍ قصي عن الوادي الذي معلمتهم فيه !

قررت أن أعيد المفهوم كلما وجدتُ فرصة لذلك ، وفي أيام مختلفة ، لم يعودوا يلتفتون للون الأحمر ، ولا لملامح الوجه ، الآن تشغلهم فكرة حقيقية وهي أننا مختلفين في الطول ، أصبحوا يقفون بجانب بعضهم البعض ويقارنون أطوالهم ويقولون : أنا كبير وفلان صغير ” وفي أحد المرات جاءني ” هيمو ” الطفل الذي يصعب عليه سماع اسمه الحقيقي دون ” دلع ” فقال لي وهو يقف بنفس الطريقة التي كان يقف فيها الشخص الذي عرضت لهم صورته وهو يضع يديه على خاصرته ويقول : ” معلمة أنا كبيررررر ” مستخدماً ذات النبرة التي أستخدمها .. أصححها له وأنا ابتسم بأن منحني الله طفلاً يجبر القلب رغم ” قزميته ” .

كنتُ أظن خلال سنواتي الوظيفية بأني تعلمت كيف أجعل المفهوم الكبير الذي يُدرّس للكبار ، كيف أجعل منه بفضل من الله مصغراً سائغاً للصغار ، لكن مع روضة أول ، شعرتُ بأني كنتُ أدرّس أطفال الجامعة والآن أطفال الروضة ! والبون شاسع جدًا . كنت استخدم المصطلحات التي اعتدتُ استخدامها مع أطفال التمهيدي ، وكنت في المقابل أتوقع نفس ردة الفعل . مع أطفال التمهيدي كنتُ أبدأ بالعد من 1 وحتى 3 ثم أشير بفمي كمن يغلقه وأقول : صمت . في الغالب كانوا يصمتون . أما مع هؤلاء الصغار جدًا ، يصمتون ولكن ليس قبل أن يعيدوا ما قلته وأسمع كلمة ” صمت ” من أفواههم الصغيرة بشكل مضحك تبدو وكأنها صدى  .يضحكونني حين يقولون :  ” سَمت ” وبعضهم يضيفون لها البهارات فيُتبعون الـ ” سَمْت ” بـقولهم : ” اششششش ” .

حين كنتُ – وما أجمل ما كان – معلمة التمهيدي ، كنت أخبر صديقتي أمل بأنني أحب جداً جدًا وقت الوجبة الثانية التي يحضرونها من منازلهم ، كنت أخبرها بأنني أشعر بأنها ” جلسة شاي ” معهم ، كنا نفتح فيها مواضيعاً ، ونجري مسابقات حتى من حماسنا كانت مديرتنا في كثير أحيان تخرج من غرفتها وتشاركنا الإجابة ، كان ذلك يسعدني كثيراً . أما الآن ، فجلسة الشاي لم تعد كذلك ! غدت كأنها “جلسة كبسة ” ! لم أعتد أن يُحضر الأطفال أرزًا أو أصناف أطعمة تحتاج لتسخين ! أصبحنا نقسم مهامنا ، معلمة تجلس على الطاولة تستقبل الأطفال والثانية عند حقائبهم تساعدهم في إخراج وجباتهم ، ثم تبدأ ” جلسة الكبسة ” ! أشعر حينها بأنه كمن تعلم كيف يكتب جُملاً طويلة جدًا لكنه فجأة اكتشف أنه لا يعرف الحروف أصلاً فكان حريّاً به أن يعود للوراء ويتعلم أ ، ب !

وللمواقف المضحكة النصيب الأكبر مع هؤلاء الصغار جدًا ، في أحد المرات التي كنا نلعب فيها ألعاب حركية وألعاب أصابع ، كنت أمثّل بأني آكلهم فأدغدغهم ويضحكون ، فجأة ، باغتني أحدهم بـ ” كف ” محترم جداً ، كان الموقف درامي جدًا وكان هذا أول كف أتلقاه من طفل في تاريخي كله ! وعندما شاهد ردة فعلي الواجمة ، ارتبك ، لا أتذكر ماذا قلت له لكنه قال لي : كنت ألعب !

في أحد الأوقات التي كنا نشاهد فيها مقاطع فيديو ، أخبرتني إحداهن أنها تريد أن تجلس في حضني ، فأجلستها والبقية حولنا على الكراسي يجلسون ، وفجأة شعرت بشيء … فسألتها إن كانت تحتاج لحمام ؟ صارت تبكي وتقول : ” لا أنا ندِيفة ” فعلمتُ أنها فعلتها فوق حجري ، في اليوم الذي قررت فيه أن أرتدي فستان !

وفي نفس الفترة في وقت آخر ، بينما الكل منسجم مع ما نشاهده ، هزّني أحد الأطفال وقال لي : ” معلمة إيناس شوفي ” .. وخلع عن كتفه وقال : ” شوفي خدّي ” وهو يلصق خده بكتفه ! ما أجملهم حين يفعلون أشياء لا أعلم كيف من الممكن أن تطرأ على قلب بشر !

خلال الأسابيع الماضية ، تعلمت أموراً ما كنت لأتعلمها لو عكفتُ عليها سنيناً طويلة ، وكان أكثر ما أردده : ” الله يعين الأمهات ” علمتُ كيف تكون التربية جهاد ، علمتُ كيف يبتليك الله في خصال كنتَ تظنّها متأصلة فيك ! فإذا كنت طِوال عمرك تظن بأنك أمين في عملك مُخلص ، فستأتيك أقدار الله التي يفسرها قلبك بأنها كالرعد في قوته ! وسيكون أن يُمطر قلبك بما اعتدته عسير جدًا ، وهنا يمحص الله كلّ ما أودعته في قلبك . تعلمتُ بجانب أن ندعو للأطفال ، أن  ندعو الله أن يكفينا شرهم ، كما علمتنا د. نجود . علمتُ بأنه لكي أكون معلمة ناجحة لابدّ أن يكون في رصيدي (خبرة) التعامل مع روضة أول ، تعلمت كيف يعزّ الله أقواماً ، لكنهم لا يفطنون بالعزة التي منحهم إياها ؛ لأنهم ينظرون للأمر بالمنظور المتعارف عليه اجتماعياً ، لا بعين البصيرة التي أنارها الله لهم لكنهم يأبون إلا أن تنطفئ . 

فاللهم يا الله اجبر نقص أعمالنا  ، واجعلنا مباركين أين ما كنّا ، واجعلنا من خيرة من يعلم الناس الخير 

You may also like

8 تعليقات

أنوار قاري 20 سبتمبر 2014 - 3:17 م

جزاكم الله خير الجزاء على مل ماتفعلوه
و المعلمات و الجميع يارب

مهنة المعلم صعبة جدا و اهم شي الأمانة و الضمير و الخوف من الله

لو ماهم موجودين
ما كان النص الجميل هذا مكتوب اصلا
ف شكرًا لك معلمة نوسه
ربنا يسعد قلبك و يجبر نقص أعمالنا و يجعلها خالصة لوجهه الكريم

Reply
جمان طاشكندي 20 سبتمبر 2014 - 9:17 م

نوووسه من زمان عن مدونتك حظي جا بهذي القصه.. من جد وصف دقيق “وجبة الكبسة”.. الله يعينك ويقويكي

Reply
أماني افندي 21 سبتمبر 2014 - 10:52 م

جميل جدااااا جداااااا
انتابتني العديد من المشاعر وانا اقرأ
خليط من ضحك ممزوج بدموع
تجربة جديدة واثقة من نجاحك فيها رغم كل الصعاب
واول خطوات النجاح ان افرخت لنا هذه المقالة الجميلة

واتوقع مع كل إنجاز سنرى مقالة جديدة
حتى تصلي بأطفالك من الكبسة الى جلسة الشاي
محبتك
أماني افندي

Reply
إيناس مليباري 22 سبتمبر 2014 - 10:38 م

أنوار ؛
في كل مهنة ، وفي شؤون الحياة كلها ، يصعب على الإنسان أن يثبت على ما هو عليه
وهنا تبرز قيمة جهاد النفس والهوى والشيطان
( مصالح النفوس في مكروهاتها )
اللهم آمين لكل ما دعوتِ به : )
وجعلنا أهلاً لما قدرّه لنا ..

جمان ؛
وانتي واحشاني ياجوجو : )
آمييين يارب
صدقيني كل معلمة راح تحس بالنص ؛ مو لأنو فنان ! بس لانها جربت المواقف نفسها : )

أ. أماني ؛
اللهم آمين : )
سؤالك لي عندما تريني حتى لو كان شكلي جيداًَ : ” كيف معاكي روضة أول ” يسعدني :”))))
الكلمة الطيبة تجبر القلب ، فجزاك الله خير : )

Reply
نجود 24 سبتمبر 2014 - 6:03 م

لله درك إيناس كم تحصدين من الأجور.
رفع الله قدرك وجازاك بفضله.

Reply
إيناس مليباري 27 سبتمبر 2014 - 11:54 ص

آمين دكتورتي الحبيبة ، وشملكِ بجميل دعاءكِ
وجعل أعمالنا وكل ما نقوم به خالصًا لوجهه الكريم : )

Reply
هديل منقل (ام يارا) 12 مارس 2015 - 9:37 ص

ما اجملها من كلمات رائعة و صادقة لوهلة شعرت بأني معكم في فصل (روضة اول) و اعاني معك كل هذه المعاني اليومية مع الاطفال كلماتك جدا جميلة احسست بانها لامست قلبي

وما اروعك من معلمة متألقة اجتهدت كثيرا حتى نجحت لتصل لهذه النتيجة المرضية مع الاطفال
و بالفعل جهودك اراها جلية على ابنتي( يارا ) و جميع تصرفاتها

الله يعطيكي الف عافية انتي و كل معلمات (روضة اول) و اتوقع منك العديد من الانجازات الاخرى الصغيرة و الكبيرة في نفوس فلذات اكبادنا

و من نجاح لاخر في جميع حياتك

Reply
إيناس مليباري 11 أبريل 2015 - 5:26 م

آم يارا :
وعافاك ويارا من كل مكروه 🙂
حتى في الأشياء التي لم يكن الإنسان يتوقعها يومًا ، يتعلم منها دروسًا مهمة في حياته . ياعليم علمنا
ممتنة لمشاركتك 🙂
أهلاً بك

Reply

اترك رداً على إيناس مليباري إلغاء الرد