الرئيسية إينَـاسِّيات .. ولا ينامُ قلبي

.. ولا ينامُ قلبي

بواسطة إيناس مليباري

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متى يكتشف الإنسان أنه خاوٍ رغم كل العلم الذي اكتنزه عقله من قراءته ، دراسته والكثير من تجاربه في هذه الحياة . يُدرك ذللك في موطنٍ واحد فقط ، موطن لا يمرّ به عامة الناس ، وفي المقابل هذا الموطن لم يُوجده الله للمصطفين الأخيار . هذا الموطن – استعملتُ “هذا ” لأنه قريب قريب – نتعرّض له يومياً ، وفي مرات عديدة في اليوم الواحد ، وسبب عدم ادراك الكثير له ، هو أنه يتكرر بشكل رتيب في نظرهم ، للحدّ الذي يجعل حدوثه أمر طبيعي ، لذلك فإن كثيراً من الخير يفوتنا . بسبب اعتيادنا ما هو في حقيقة الأمر ” تسخير ” من الله ، لقلوبنا . 

حين يُشكِل علينا أمر في الدين ، أمر أساسي ، وليس حُكماً كثرت فيه الأقاويل ، هذا الأمر الذي قد يكون موجوداً في سورة الفاتحة ، نسمعه كل يوم في المساجد ، نقرأه في كل ركعة  ، في خمس فروض في اليوم ، ولا ندري لمَ قال الله ذلك الأمر ؟ ما فائدته لنا كمسلمين أولاً ، وكمؤمنين ثانياً ؟ 

لم أدرك هذا الشعور بشكل جليّ إلا حين التحقتُ بدورة للداعية التي فتح الله لها وفقهها في الدين أ. أناهيد السميري ، دورة إعداد معلمات رياض الأطفال ( غرس القيم ) ، والتي كانت توقعاتي تشير إلى أننا سنتلقى معلومات كبقية الغثاء الذي اعتدناه .. وفي اليوم الأول كانت المفاجأة ! أو الصدمة ! 

لم أجد إلا القرآن الكريم مرجعاً لها في فهم الطفل بشكل خاص ، الإنسان بشكلٍ عام . رغم أني أمضيتُ في هذه الدورة حتى الآن ثلاثة أيام فقط ، إلا أنني أشعر بأن الثلاثة هذه وبدون مبالغة تُعادل الخمس والعشرون عاماً الذين عشتهم دون أن أفهم الدين ، الله ، النّفس .. كما فهمتها الآن . 

ثلاثة أيام فقط ، شعرتُ من خلالها بأن قلبي كان موضوعاً رأساً على عقب ، لا أعلم كيف كان يعمل ، كيف يفكر ، كيف يهنأ له العيش بعيداً عن أرقى المعاني التي قد يسمو بها قلب المؤمن .. وجاءت هذه الأيام الثلاثة ، لتحرّك القلب نحو أن يكون بوضعيته الصحيحة .. رأسه في الأعلى ، وعقبه للأعلى كذلك !

كان أول ما تبادر إلى ذهني ، بأني سأتخلى عن كوني معلمة رياض أطفال ،عن التدريس بشكل عام ، أنا التي كنتُ أنقد بعضهن ، وجدتُ نفسي في ثلاثة أيام .. بلا شيء يُذكر ! حتى لأجدُ تعبير صديقتي سهيلة خير ما تمناه قلبي ، حيثُ قالت : ” نفسي أجيب كل الأطفال اللي درستهم ، وأعلمهم مرة تانية”! 

الآن أدركتُ ادراكاً لم أصل إليه من قبل ، لمَ كان القلب هو سبب صلاح الجسد كله ، الآن أُدرك معنى أن يُنبت الله إنساناً ما نباتاً حسناً ، ثم يُفسد هذا الإنسان الحَسن في داخله ، أو أن يعيث إنساناً آخر الفساد في الأرض ، ثم ولسبب خفيّ علينا ، جلياً لله ، يكون هذا المُفسد ، المُصلح لجيله . أدركتُ لمَ كان المعلم رسولاً ، وشعرتُ كما لم أشعر من قبل بمشقة أن يكون المرء رسولاً ، يُحاسبه الله على إحسانه في التبليغ . 

 ثلاثة أيام تنام عيني ، ولا ينامُ قلبي . وحتى يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً ، أسأل الله أن يُعيننا على تبليغ رسالته ، وأن نكون خير خلفائه على الأرض ، هذه التدوينة إشارة لخير كثير قادم بإذن الله .

أسأل الله أن يغفر لي زلتي وإسرافي في أمري ، وأن يعفُ عني إن هو أخذ أمانته قبل أن تبلّغ رسالته 

You may also like

7 تعليقات

علي العمري 3 سبتمبر 2013 - 12:47 ص

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يمكن للإنسان أن يصل إلى الهداية بما آتاه الله من عقل وتدبر شريطة أن يريد هو ذلك، وهذا لا يكون -في ظني- إلا بتهيئة النفس لقبول الهداية، وبقدر ما تكون النفس مذعنة للحق مقبلة على الفضائل، قامعة للهوى مقاومة للرذائل؛ تكون أكثر استعدادا للهداية الإلهية وأكثر إشراقا بأنوارها…
أما تلك النفوس التي تعرف ولا تذعن، تعلم ولا تعمل، يمنعها الكبر تارة، والتعصب تارة، والهوى تارة، والركض خلف اللذات العاجلة تارات وتارات، فهي بعيدة عن الهداية بقدر بعدها عن الهادي، وقد تكتسب من الذنوب ما يكون أثره عليها جوهريا بحيث تصبح غير قابلة للهداية أصلا.

أرجو أن لا أكون قد شططت بعيدا عن الفكرة العامة للتدوينة، وفي انتظار الحلقات القادمة من هذه السلسلة.

وتحياتي لك أستاذة إيناس.

Reply
محمد كناني 3 سبتمبر 2013 - 1:37 ص

الف الف الف شكر بصراحة على الموضوع اثالاكثر من رائع بس لو سمحتي اذا ممكن سؤال انتي قلتي انو القرآن الكريم مرجع لفهم الاطفال ممكن تعطينا مثال انا مافهمت تمام بصراحه اذا ممكن
ومرة ثانبة شكرااا موضوع جدا رائع

Reply
فاطمة جاوي 4 سبتمبر 2013 - 4:49 ص

سبحان الله… اللي درستيه كلو ما كان زي الدورة اللي حضرتيها؟؟
هل هي دورة اجبارية ولا اختيارية؟؟
اتمنى تكون اجبارية كل معلمات رياض الاطفال يحضروها ويطبقوا ،، لان هذا السن هو سن التلقي وعشان نغرس في الطفل المعاني الواضحة واللي تكون مدى الحياة
الله يهدي الجميع ويوفقنا في التربية

Reply
عُلا وتد 4 سبتمبر 2013 - 2:10 م

أعدتُ قراءه ما كتبتِ، وفي كُل مرة أختتم قراءتي بـ ” رائعة!”
ليتَ كُل من يمتهن مهنة التدريس ان يعي حجم الرسالة والمسؤوليه الملقاء على كتفيه..
وليته يعمل ليُحسن ايصال رسالته!
وليتنا جميعًا نعي حجم الارشاد والانارة في قراءننا العظيم!

كُل الود.
عُلا

Reply
إيناس مليباري 8 سبتمبر 2013 - 1:12 ص

علي ؛
تُصيبنا الحياة بالعطش ، فتأتي بعض النصوص الإيمانية ، ما تجعل قلوبنا
ترتوي .. نصوصك تأخذ هذا الجانب ، حفظك الله ايها القدير
بارك الله فيك ، وجزاك الخير الكثير

محمد ؛
بورك حضورك ، وأما عن سؤالك ، أعدك أن يتضح لك الأمر في التدوينات القادمة بإذن الله
وأهلاً بك

فاطمة ؛
أهلاً بفاطمة القلب :”)
الدورة اختيارية ، وليست تابعة للجامعة ولا للمعلمات
هل تختلف عن الدراسة ؟
الفرق ببساطة ، أن مادرسناه كان لُبه وغاية مقصده كيف نعلّم الطفل ونتعامل معه
وفقاً للنظريات ( بياجيه ، فيجوسكي ، فرويد .. الخ )
ما تقوم به أ. أناهيد هو شيء واحد ، مقابل العديد مما تعلمناه :
كيف نغرس ( العقيدة ) في قلب الطفل
واللهم آمين لما دعوتِ به ..

عُلا ؛
جزاك الله خيراً على حديثك الطيب
أسأل الله أن يعينني ويعين كل المعلمين والمعلمات على أن يكونوا رُسل خير
أهلاً بك

Reply
نون الحنون 13 سبتمبر 2013 - 7:08 م

أدعو الله لك ابنتي إيناس -آنس الله حياتك باﻹيمان وطاعة الرحمن –
أن يبارك لك في شبابك أنت وباقي بناتي في مجموعتك
وأن يجعلكن مباركات أينما كنتن
اللهمَّ آمين

Reply
إيناس مليباري 19 سبتمبر 2013 - 10:02 م

جزاكِ الله خيراً على حديثك الطيب ، ودعواتك المُباركة والتي زدتُ في دعائي على دعائك بأن
يُكرمنا الله بإجابة منه ، وأن يشملكِ والمُسلمين بالدعاء ..
بوركتِ

Reply

اترك رداً على إيناس مليباري إلغاء الرد