كِخه يا بَابا

بواسطة إيناس مليباري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولأنني ظننته كتاباً ساخراً فقد ضمّنته قائمة الكتب التي أرغبُ باقتنائها ، رغم عدم ميلي لفن الكتابة الساخرة إلا أنني رغبتُ بشدة في أن أقرأه ربما عُنوانه هو ما أغراني لذلك وحثّني عليه . وحين قرأته كانت المفاجأة ! حيثُ أنه كان كل شي عدا أنه لم يكن ساخراً البتّة : )

كتاب كِخّه يابابا لكاتبه : عبد الله المغلوث ، يتحدث الكتاب عن بعض الظواهر الاجتماعية وينقدها بطريقته البسيطة جداً . في أغلب مقالاته يفتتح الحديث بموقف عابر حدث له في زمنٍ ما ثم وبعد عمليات التأمل المُجراة من قِبل عبد الله يأتيك النقد تِباعاً لما قرأت سابقاً . الكتاب خفيف وزناً ومضموناً بيد أن أبعاده متفرعة جداً وليس بخفة وزنه تماماً .

تطرق عبد الله للعديد من الظواهر البديهية عقلاً لكثرة تكرارها لكنك ستجد الألم ينسابُ من بين أطراف الأحرف أو من بينها ! يتألم عبد الله لوجود ظاهرة العُنصرية ” التمرية ” حيثُ قال :

أذكر أنني كنتُ في منزل أحد الأصدقاء في الأحساء قبل عدة شُهور ، وفور وُصولنا قدم المُضيف تمراً سُكرياً من القصيم ، مما أثَار حفيظة أحد الحُضور الذي قام من مِقعده وقال : ” أهذا سكري ؟ ” فأجاب المُضيف بالإيجاب . لم تَرق الإجابة للضيف الساخط الذي قال : ” كيف تقدّم لنا تمر القصيم وأنت ابن الأحساء ، هل سمعتَ أن قصيمياً قدم تمراً أحسائياً في منزله ؟ ” حاولنا أن نتدخل لفضّ الاشتباك ، لكن دون جدوى !

يتجسد ألم عبد الله في السطر التالي مباشرة لهذا النص :”  تخيلوا تمراً يقسمنا ! ” ولكم أن تقيسوا صِغار الأمور على هذه الحادثة . أتذكر يوم أن كنتُ في أحد مراحلي الدراسية كانت جميع صديقاتي ذوات القبائل عداي أنا وأُخرى ، حقيقةً ومنذ ذلك العهد كُنا نجد الكثير من السُخرية على سبيل الدُعابة ، فنبتلعها على مضض ، ولا أدري لمَ هذه الأمور كانت تحدث آنذاك . كما أنني وفي كل مرة أجلسُ فيها بجوار إحداهنّ تُباغتني بسؤالها : ” من وين ترجعين ؟ “حقيقةً لا يأتيني هذا السؤال إلا من ذوات القبائل!

وعن الحديث عن الأصل و ” الفصل ” تحدّث عبد الله أيضاً عن عدم رضا البعض عن كونه ” هندياً ” ! فيما إن نعته أحدهم بأن شكله قد يكون هندياً بينما يرتضي أن يُقال عنه كندياً أو أمريكياً ! وهذا ما حدث مع أحد أصدقاء عبد الله . . أعتقد بأنني بحاجة لتدوينة مُنفصلة للكتابة عن الهند ليس لأنني انتمي إليها ، بل لأنها وببساطة تستحق أن أفعل ذلك من أجلها ، ولأنني من أصل هندي ، أشعر بالفخر   : )

جرّب أن تُصبح سعيداً ، كانت هذه أحد مقالات الكتاب ، والتي مُفاداها الاقتباس التالي :

لم أشعرُ بسعادة منذ زمن طويل كما شعرتُ عندما هاتفتُ والد صديقتي . شعرتُ بسعادة هائلة اجتاحتني فور أن تحدثتُ معه . مُكالمة قصيرة جداً لم تتجاوز الدقيقتين عبّرتُ فيها عن امتناني له ولابنه . أحالت يومي إلى كرنفال بهجة .

ثمّة أشياء صغيرة للغاية بوسعها أن تزرع حقول الفرح في صدرك : )

وفي موطن آخر من الكتاب أشار عبد الله كيف أن الكتابة مصدر للصحة بعد طول اعتلال ، وقدّم لك نصيحة في مقالة : أكتبوا تصحوا :

اُكتب يومياً ثلاث رسائل إلى من تُحب ، أولها بعد الإفطار ، وثانيها بعد الغداء ، وثالثها قبل أن تخلد للنوم ، وسيزول عنك الاكتئاب تدريجياً

وحين تكتب رسالة ما أهم ما في الأمر هو أن تكتبها وتعيشها . رغم مرور أكثر من سنة ونصف على تلك الرسالة التي كتبتها في نهاية العام الدراسي لإحدى أستاذاتي التي امتازت علاقتي بها بالتوتر والخلاف الشديد ، وحين قررتُ إنهاء ذلك بعثتُ لها برسالة مطولة تشملُ الاعتذار والشكر والامتنان ، فكان ردها بأن رسالتي كانت أجمل رسالة شُكر تلقتّها في حياتها كما أنني نجحتُ في إنزال دموعها ، ولا أدري لم شعرتُ بالانتشاء : ) مجرد استحضار ذلك الشعور يُسعدني فكيف إن كان طازجاً ؟ جربوا ذلك ولو لمرة واحدة ، وستدمنون الكتابة بعدها : )

اقتباسات آسرة :

إننا لا نصعدُ السلالم بل نفضّل المصاعد الكهربائية حتى لو كان هدفنا الطابق الثاني . في العمارة المكوّنة من أربعة أدوار التي أسكنها في بريطانيا تعطّل المصعد لمدة أسبوع دون أن يُصلحه أحد . عندما هاتفتُ إدارة العمارة أخبروني أنني الوحيد الذي أبلغ عن العطل . جاء الفني فوراً لإصلاحه . شعرتُ لوهلة أنني أكسلُ شخص في بريطانيا ، فالحياة لم تتعطّل في العمارة لأن المصعد لا يعمل . تعطّلتْ في داخلي فقط . هناك سلالم . هي خيارهم الأول بينما كان المصعد هو خيارنا الأول . نحنُ نبحثُ عن أي شيء يقلنا بسرعة إلى أهدافنا دون أن نستشعر قيمة الصعود خطوة خطوة . إنه شعور عظيم : )

ثمّة مذاق خاص للأشياء التي تأتي متأخّرة . تأملوا الآباء الذين حصلوا على أطفالهم بعد طول انتظار . والمرضى الذين تعافوا بعد ألم مُضن . والمبدعين الذين نالوا النجاح بعد جُهد جهيد . ستجدونهم أكثر امتناناً وسعادة : )

تقييمي للكتاب : 4 / 5

You may also like

9 تعليقات

خلف هاشمی 5 مايو 2012 - 3:16 م

السلام علیکم
قرائت و استفادیة ارجو من الله التوفیق لک

Reply
خلف هاشمی 5 مايو 2012 - 3:20 م

هل اقدر احصل علی الکتاب کخه یا بابا ارید اترجمه بل لغة الفارسیه
هل تقدر ترسل علی ایمیل (البرید)علی pdf شکرا جزیلا

Reply
الهنوف العبدالله 6 مايو 2012 - 5:40 ص

لا يمكنك أن تتخيلي كم إشتقت للجمال الذي تنثرينه هنا
عدت لأقرأ تدويناتك التي فاتني كلها
أنت فعلاً كاتبة عظيمة
وأنثى جميلة 🙂

كتاب كخة يابابا قرأته أنا أيضاً واستمتعت به
سأعود لك بمراجعتي له بإذن الله
حتى ذلك اللحين كوني بخير ياغالية ,

Reply
إيناس مليباري 15 مايو 2012 - 11:35 ص

خلف ؛
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
حقيقة لم أجد ذلك ، أعدك إن وجدته في أي وقت سيكون لديك مباشرة : )

الهنوف ؛
هنووفتي يا جميلة القلب والروح و .. الفكر
وحشتيني قد الدنيا وأكبر بشويا ^^
ياربي يسعد قلبك : )

انتظر قراءتك له .. بشوق : )
ومرحباً بك في منزلك : )

Reply
علي العمري 5 أغسطس 2012 - 10:42 م

أختي الكريمة، أنتِ إن كنتِ هندية الأصل فإنكِ عربية اللسان والدار، وقد روى السلفي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: “جاء قيس بن مطاطة إلى حلقة فيها صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي فقال هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هؤلاء فقام معاذ بن جبل فأخذ بتلابيبه ثم أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالته فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا يجر رداءه حتى دخل المسجد ثم نودي إن الصلاة جامعة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس إن الرب رب واحد والأب أب واحد والدين دين واحد وإن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم إنما هي لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي فقام معاذ بن جبل فقال بم تأمرنا في هذا المنافق فقال دعه إلى النار فكان قيس ممن ارتد فقتل في الردة”.
وهذا الحديث إن كان ضعيفا فإن معناه ليس ببعيد بل هو صحيح من بعض الوجوه كما نص على ذلك ابن تيمية الحراني في اقتضاء السراط المستقيم.

وهنا قسم من العرب يجهله كثير من الناس وقد أشار إليه بعض العلماء وهو العرب العرباء، وهم الذين يتكلمون باللسان العربي ولكنهم يعودون بأنسابهم إلى أصول غير عربية.

وشكرا لك على الإرشاد إلى هذا الكتاب اللطيف.

Reply
إيناس مليباري 6 أغسطس 2012 - 8:46 م

الله ينور عليك :”)
الأمر كما تفضلتَ وذكرته ، الرب رب واحد :”)
استمتعتُ بقراءة إضافتك أكثر من مرة ، وبتأمل
شكراً للحضور الوارف

Reply
T@rek 8 أبريل 2013 - 9:40 م

الكتاب موجود بصيغ Pdf على موقع Goodreds

Reply
إيناس مليباري 11 أبريل 2013 - 10:10 ص

قراءة جميلة :”)
هذا المغلوث من الكتاب الذين يحدثون وقعاً جميلاً على القلب
شكراً طارق على المشاركة : )

Reply

اترك رداً على T@rek إلغاء الرد