الرئيسية قِنديلُ الحِكمَة ولليمينِ .. فلسفة !

ولليمينِ .. فلسفة !

بواسطة إيناس مليباري

السّــلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتيتكم من الصفحة السادسة والعشرون – إلى ماشاء الله من الصفحات – من كتاب كيمياء الصلاة ( 4 ) – فيزياء المعاني ، للدكتور أحمد خيري العُمري ، أتيتكمْ بما هُو يُستعصى أن أخطّه كما أرى ! كلّ ما في الأمر أن هذا العُمري يُلهمني كثيراً ولا أجدُ بداً من أن أكتبهُ كثيراً ! غير أن هذه المرّة – استثنائية – قمتُ باقتباسات نصيّة بلا أي تحريف أو تحوير ! عدا تقدّم بعض الجُمل على أخواتها ! هنا لن أتحدث عن الكتاب عن بكرة أبيه ، ما سأتحدث أو ما سيُحدثكم عنه هذا العُمري هو عن هيئة الصّلاة الأولى ( وضع الكفّ اليُمنى على اليُســرى ) .

اليمين عَلى الشمال :

صحائفُ أعمالنا .. ستُقدّم لنا بأيمانُنا : ” فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه ”

ولأنّ الكتاب الّذي يقدم باليمين ، يُحدد موقع الشّخص آخروياً ، باتّجاه اليمين ، فإنّ اليمين صار موقع أولئك الفائزين يومها ! وفي هذا يقول جلّ شأنه : ” وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ” . ولهذا فإن أصحاب الميمنة ، وأصحاب اليمين هُم أولئك الّذين انشغلتْ أيمانهم – في الدّنيا – بُصنع دُنيا أفضل ، بصُنع عالم بشروط أكثَر عدالةً وتوازناً .اليمين في الآخرة ، مُرتبطة باليمين في الدّنيا .. على الأخصّ بعمل هذه اليمين ، بما بَنته .. أنتجه ، شيّدته .

اليمين مصداق للرأس :

ارتباط اسم الموقع الآخروي باليمين ، باليد عُموماً يعني أنّ حيازة هذا الموقع ، تتطلّب عملاً يدوياً يصدق ما كان في العقل .. أو في القلب إن شئتم . إنّه أن تعملَ وفق ما تُؤمن به ، لا أن تتركَ إيمانكَ بفكرة مُحلّقاً في بُرج عاجي ، أو في قفصٍ تحمله في رأسك ! .

من اليمينِ بدأ الأمـــر :

من أهّم النبوءات عبر التّاريخ ، جاءتْ من الجانب الأيمن أيضاً :

” وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ” .

” فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ” .

اختارَ الله الشاطئ الأيمن ، ليُوحي إلى مُوسى ليبدأ من وحيه .. من هُناك ! لقد اختَــار الجانب الأيمنْ ليدلف الوحي منه إلى قلبِ مُوسى وعقله وكلّ كيانه .

وهذه أيضاً : ” وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ” اليمين مُجدداً !

ما في يمين مُوســى ، سيكون له مآرب أُخرى فعلاً ! مآرب أكبر بكثير من تفاصيل الحياة الصّغيرة ، ما في يمينك يا مُوسى له دُور في تغيير العالم من حولك ..ما في يمينك يا مُوسى سيقُود الثّورة ضدّ فرعون وسيقود عملية الإصْلاح الاجتماعي لقومك . ونحنُ نعرف ما جرى ، مع ما في تلك اليمين .. مع السّحرة ، مع فرعون .. ومع ذلك البحر ؛ يوم انشّق البحر ليسهل الخروج ، وكلّ ذلك مرّ بما في اليمين .

الأنثروبولوجيا تتحدث :

أشار العُمري إلى أن فكرة ” اليمين ” كرمزٍ للخير والصّلاح عميقة جداً في التّراث الإنساني عُموماً ، في حضارات كثيرة ! مثل مفهوم التاغترا الهندوسي ، الموروث اليهودي أيضاً !

وللبيولوجيا قولُها في اليمين :

تشريحياً فإنّ دماغ الإنسان له شقّان ، أيمن وأيسَر . الشق الأيمن يكون مُهيمناً أكثر في العمليات التي تتطلب الحدس ، والخيال ، والإبداع .بينما الشقّ الأيسر من الدماغ يكون مُهيمناً أكثر في العمليات التي تتطلّب التحليل ، والربط بين التفاصيل ، وقواعد اللغة ، والمنطق بشكلٍ عام . مع التوضيح بأن : كل شقّ من الدماغ يُسيطر عضلياً على الجهة المُعاكسة من الجسم ، أي أنّ الشق الأيسر من الدماغ ، يتحكّمبالشق الأيمن من الجسم والعكس صحيح .

إذاً المنطق = اليمين !


ماذا عن الشّمـال ؟

لكل ” يمين ” شمالها ، لا بدّ أن يكون لها شمال ! لكل قيمة إيجابيّة لها وجُود حقيقي ، لابدّ أن يكون هُناك قيمة مُضادّة سلباً ، لا ” مُطلقات “في عالمنا هذا . لذلك وكما أن ” اليمين ” يرتبط بكلّ ما ذكرناه من معانٍ وقيم . فكان ولا بدّ أن يكونَ هُناك مُناظِر – سلبي – لليمين ومعانيه وقيمه ! فكان الشمال .. جُزءاً من حقيقة الأشياء .

تقدم اليمين لا يلغي الشمال :

ليس هُناك أبداً أي دعوة في القُرآن على بتر الشمال ! إنّما هُناك تقنين وضبط لاستعمالها ” كرمز ” لما يجب السيطرة عليه .ولذلك فإننا نَرى وُجوداً إيجابياً للشمال أيضاً ؛ لكن مع تقديم اليمين عليها فقط .

إبليس يدخل من الفصل بين اليمين والشمال :

” ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ” وكأنّ الوعيد هُنا يُشير إلى أنّ نُقطة دخول إبليس تستغل انفصال اليمين عنْ الشمال ، أمّا عندما يلتحم الاثنان معاً فإنّ ذلك يُشكل سداًَ منيعاً ، لا أقول : إن إبليس لن يتمكّن من اختراقه . لكنه ..سيكون بالتأكيد أصعب ممّا لو كانت اليدان مُنفصلتين .


You may also like

4 تعليقات

المقداد 14 يوليو 2011 - 4:37 م

في بادئة الأمر .. اعذريني يا ايناس لتغيبي عن سمفونيتك الرائعة 🙂 :::

اليمين وما أدراك ما اليمين …

بدأ بها موسى عليه السلام ونختم بها بإذن الله في الجنة

يبدو أن هناك العديد من العُمري في المنطقة P: >>>

ويبدو أن هذا العمري متميز ومبدع … وملهم

بوركت أناملك أختاه

وجزاك الله خيراً عن قلمك المبدع المتميز

تحياتي وتقديري

المقداد جميل

Reply
بيـــان ،، 15 يوليو 2011 - 11:15 م

فلسفة جميلة كهذه تُحيي فينا الكثير من معاني التأمل المهجورة ..
جعلنا الله وإياكِ من اهل اليمين ياحبيبة ..
وشكرًا تليق بك =)

Reply
إينـاس مليبـاري 17 يوليو 2011 - 8:05 ص

المقداد ؛
بحق افتقدتكَ السمفونية بكل .. أوتارها يا مقداد !
والأهمّ هو حميدُ عودتك :””)
سعيدة وأكثر بتصدرك لهذه التدوينة :”)
شكراً لك .. وأكثر ،

بيان ؛
اللهم آمين ، وكلّ المُسلمين بإذن الله :”)
لتعقيبكِ دائماً .. وقعٌ لذيذ / مُختلف ()

Reply
محمد كويياس 10 أبريل 2020 - 9:33 ص

جميل، يا ذا الاختيار الأصيل. تحياتي سيدي الفاضل.

Reply

اترك رداً على إينـاس مليبـاري إلغاء الرد